ولد نيكولو ميكافيلي (Niccolò Machiavelli) عام 1469 في عائلة مرموقة في مدينة فلورنسا الايطالية في فترة حكم عائلة مديتشي (Medici) الاستبدادية، وكان والد ميكافيلي محامياً ومن كبار الداعين للحكم الجمهوري حيث لم تكن عائلة ميكافيلي موالية لعائلة ميديشي، ولم يكن ميكافيلي مجرد كاتب أو منظّر بل كان منخرطاً وبشكل عميق في العمل السياسي، حيث بدأ عمله السياسي في عام 1498 حيث أنتُخب سكرتيراً للمستشارية الثانية التي كانت تُعنى بالشؤون الخارجية والعسكرية، وبقي نيكولو ميكافيلي في الحكم 13 عاماً حيث نفي من مدينته بعد أن سجن وعذب على اثر عودة عائلة ميديشي للحكم بسبب اتهامه بالتآمر ضد جيوفاني ميديتشي.
ومن ثم نفي ميكافيلي لأطراف المدينة وعاش في بيئة ريفية، وكان يقضي يومه في الغابة بالتحدث مع الحطابين في الصباح، ويتجول في السوق بعد الظهيرة، وكان في المساء يعود للمنزل ويرتدي زي البلاط والأشراف ويبدأ بالكتابة حيث كتب كتاب الأمير، ونُشر كتاب الأمير سنة 1532 بعد خمس سنوات من وفاة ميكافيلي، وهو عبارة عن كتاب يتكون من 26 فصلاً يصف كيفية الوصول للسلطة وكيفية الحفاظ عليها.
وقد كان هدف ميكافيلي من كتاب الأمير هو العودة للحياة السياسية حيث أهداه لأحد أفراد عائلة ميديشي متمنياً أن يُنعموا عليه بأحد المناصب وكان إهداء الكتاب إلى لورنزو الابن العظيم لبيرو دي ميديشي، وقد أصبح كتاب الأمير من أهم الكتب في مجال العلوم السياسية والمفضل لدى الكثير من السياسيين، حيث قراءة مسوليني و نابليون وستالين وهنري كسنجر ونيكسون وغيرهم، ولكن بعد أن وضع ميكافيلي جل خبراته السياسية في كتاب الأمير، لم يُعر لورينزو أي اهتمام لهذا الكتاب وبالتالي لم يحصل ميكافيلي على مبتغاه.
وها قد مضى 500 عام منذ طبعته الأولى لكنه لم يبرح مكانه يوماً من صدارة رفوف المكتبات بل وإنه يُدَرَّس في مختلف الجامعات حول العالم، وقد طور بعض الكتّاب على مفاهيم ميكافيلي، وبطل هذا الكتاب هو قيصر بورجيا والذي إقترف جرائم عديدة للوصول للسلطة، ولهذا فإن كتاب الأمير مثير للجدل كما تصحبه سمعة سيئة لواقعيته وتجرده من المفاهيم الأخلاقية والإنسانية ولنظرته الفردانية، واعتُبر كتاباً مناسباً فقط للطغاة من قبل علماء الأخلاق وخاصة البريطان والفرنسيون. ومن الجدير بالذكر أن الميكافيلية أصبحت صفة يتسم بها الكثير من الأشخاص الذين ليسوا بحاجة لقراءة كتاب الأمير فهم ميكافيليين بطبيعتهم. الشخص الميكافلين هو الشخص المجرد من المبادئ ويتسم بالمكر والخداع والتلاعب.
يمكن الإستماع لكتاب الأمير على اليوتوب على الرابط التالي : https://youtu.be/pbuWDihmVmI
ننصح بقراءة تفسيرات أهم أقوال ميكافيلي في الأسفل لفهم الكتاب المسموع بشكل أفضل.
أشهر أقوال ميكافيلي
من أقوال ميكافيلي ، كتاب الأمير، الفصل 18 بعنوان كيف يصون الأمراء عهودهم.
“في تصرفات جميع الرجال، ولا سيما الأمراء ، بحيث لا توجد سلطة أعلى منهم، ينظر المرء إلى النتيجة”
في هذا الاقتباس يوجه ميكافيلي للرجال في موضع سلطتهم عامة وللأمراء خاصة أنه إذا كان الشخص في موقع سلطة ولا يخضع لنظام محاسبة أن لا يأبه بالوسيلة أو بالطريقة التي ينجز بها الأمور، لأن عامة الناس ينظرون للنتيجة لا في كيفية الوصول لها خاصة إن نجح الأمير في تأسيس سلطته والحفاظ عليها، وكأن ميكيافيلي أراد أن يقول هنا أن “الغاية تبرر الوسيلة”.
“الحشد المبتذل دائما يؤخذ بالمظاهر، والعالم يتكون أساسا من المبتذلة”
يقول ميكافيلي أن العالم يتكون من المبتذلة، وهم الأشخاص الرديئين والسوقيين ويجب علينا أن لا نظهر مثلهم بل يجب أن نتقمص الطيبة لأن المظاهر هي حديث الناس وهوسهم، فهنالك فرق بين أن تكون طيب بطبعك وأن تتظاهر بالطيبة أمام الناس.
“الناس يحكمون على ما يرونَهُ بأعيُنِهم، وليس على ما يُدرِكُونه، فكُلنا نستطيع الرؤية لكن قلة قليلة منّا تستطيع أن تُدرك واقع الحال الذي أنت عليه، وهي فئة غير قادرة على مواجهة الكثرة التي تحميها مهابة الأمير”
يخبر ميكافيلي الأمراء هنا أن الناس يحكمون على ما يرونه فقط، أي على ما يُظهر الأمير لهم ليس على ما يدركونه لأن الفئة المدركة لحقيقة الأمير هي فئة قليلة ولن تستطيع مواجه الفئة الأكبر والتي تدرك فقط ما تراه.
من أقوال ميكافيلي – كتاب الأمير – الفصل 15 – بعنوان ما يلام عليه الرجال – وبخاصة الأمراء – أو يمدحون لأجله
“من الأفضل لي أن أقول الحق دون أن احوم حول الخيال لأن طريقة عيشنا تختلف كثيراً عن الطريقة التي يجب أن نعيشها ، فالشخص الذي يدرس ما ينبغي عمله بدلاً من ما يتم فعله سوف يتعلم الطريق إلى سقوطه بدلاً من الحفاظ على نفسه”
في هذا الاقتباس رسالة واضحة من ميكافيلي بأن العالم الذي نعيش فيه ليس وردياً، ويخبرنا بأنه يجب علينا التصرف والتعلم بحسب المجتمع القائم بشكل واقعي بدلاً من التصرف بطريقة مثالية لا تتوافق مع الواقع السائد لكي نتجنب الفشل والسقوط، فإذا كنا في مجتمع قائم على مبدأ الغاب حيث القوي يأكل الضعيف يجب علينا تعلم كيفية أن نكون أقوياء لا أن نتصرف بطيبة والمقصود هنا أنك إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب.
من أقوال ميكافيلي – كتاب الأمير – الفصل 23 – بعنوان كيف يمكن تجنب المتملقين
“وليس هُناك طريقة أخرى أمام المرء يقي بها نفسهُ شر التملُق، سوى أن يدع الناس يُدرِكون أنه يحب أن يسمع منهم الحقيقة، لكنك تفقد احترامهم لك، لو سمحت لكل منهم أن يخبرك الحقيقة”
التملق هو المجاملة وإخفاء حقيقة الإعتقاد لعدة أسباب منها الخوف أو حب التقرب، ويقول ميكافيلي أن الطريقة الوحيدة لنقي أنفسنا من التملق هو أن نجعل من حولنا يدركون أنه يجب عليهم قول الحقيقة، وفي حالة الأمير يقصد ميكافيلي بمن حوله مستشاريه، لكنه ينصح الأمير أنه يجب أن يضع حدوداً لمن حوله في قول هذه الحقيقة ولا يتيح للجميع هذه الميزة والحصانة لكي لا يفقد احترامهم له.
من أقوال ميكافيلي – كتاب الأمير – الفصل 7- بعنوان الممالك الجديدة التي يتم الحصول عليها بالقوة أو بالحظ.
“إن من يظن ان المنفعة الحديثة تمحو أثر الإساءة القديمة من نفوس العظماء يخطئ خطأ جسيماً”
يرى ميكافيلي أن العظماء لا يغفرون الإساءات مهما كانت قديمة ومهما قدمت لهم من منفعة، ويخبر الأمراء أن يأخذو الحذر من أي عظيم أساؤوا له قديماً، وقد يكون ميكافيلي استنتج هذا من عائلة ميديتش التي انتقمت منه بعد 13عاماً.
من أقوال ميكافيلي – كتاب الأمير- الفصل 19 – بعنوان كيف تتجنب الاحتقار والكراهية
“يجب على الأمراء تفويض المهام الصعبة للآخرين والحفاظ على المهام الشعبية المحبوبة لأنفسهم”
ميكافيلي يحث الأمير على أن لا يظهر أمام الناس كمجرم أو قاتل أو مخادع أو بأي شكل سلبي وينصح الأمير بتفويض المهام القمعية والدنيئة إلى شخص من رعيته حتى يبعد نفسه عن هذه الأعمال ولا يلطخ سمعته فيها ويتجنب كره الناس واحتقارهم له و في نهاية المطاف ينتفضون ضد السلطة والحكم. ونراه ذلك اليوم في السياسة و الأعمال فمن السائد أن نسمع مدير يقول لمعاونة خرب وأنا بصلح وراك.
أشهر أقوال ميكافيلي الأخرى
“على المرء أن يكون ثعلباً ليعيش الفخاخ المنصوبة له و أن يكون أسدا ليرهب الذئاب”
“المنتصر أصدقائه كثيرون، أما المهزوم فأصدقاؤه حقيقيون”
“من يريد أن يكون خيّراً في سلوكه مع الجميع لا بد أن يعض أصابع الندم إذا وقع في أيدي الأشرار. إذن فينبغي للأمير الذي يريد أن يحفظ عرشه أن يتعلم كيف يقلل من طيبته وكيف يستعمل الخير أو الشر في الأوقات والأحوال المناسبة”
“يجب على الأمير أن يكون محبوباً مهاباً وحيث يصعب الجمع بين الحالتين فإذا احتاج الأمير إحداهما فالأفضل أن يهاب”
“وللرجال ثلاثة عقول مُختلفة، الأول يفهم الأمور دون أن يحتاج لمساعدةٍ من أحد، والثاني يفهمها حين يوضحها له غيره، والثالث لا يفهم الأمور بمفرده، ولا حين يشرحها له أحدهم، والأول أكثر تميُزًا، والثاني ممتاز أيضًا، أما الثالث، فبالتأكيد عديم المنفعة”
“يجب أن يعامل الرجال معاملة جيدة أو يتم سحقهم، لأنهم يستطيعون الإنتقام من إصابات أخف ولا يستطيعون الإنتقام من إصابات أكثر خطورة؛ لذا يجب أن تكون الإصابة التي يجب أن تحدث للرجل من النوع الذي لا يمكنه من الإنتقام”
“وهنا يتحتم علينا أن نلحظ أنه من واجب الأمير أن يحذر التحالف مع من هو أقوى منه حتى يعتدي على غيره، إلا إذا كان مضطرًا لذلك، لأنه إذا ظفر ذاك الحليف بالنصر، فستظل أنت تحت سُلطانِه”
“ومن يُصبح حاكِماً لمدينة حُرة ولا يُدمِرُها، فليتوقع أن تقضي هي عليه، لأنها ستجِدُ دائمًا الدافع للتمرد باسم الحُرية، وباسم أحوالِها القديمة”
“إن البسطاء من الناس على استعداد لقبول أي أمرٍ واقع، ومن يخدعُهُم سيجد من بينهم من يقبل أن ينخدع بسهولة”
“يمحو النصر آثار أكثر الأعمال فشلا، فيما تجهض الهزيمة أكثر الخطط تنظيما”
“إذا كانت الأخطاء لابد واقعة فيحسن أن تكون دفعة واحدة حتى تكون أقل تأثيراً من وقعات متعددة تبقى آثارها. أما المزايا فيجب أن إعطاؤها للرعايا جرعة جرعة حتى يستمتعوا بها ويشعروا بفائدتها”
“ما يمكن التنبؤ به يمكن علاجه بسهولة، أما إذا انتظرنا إلى أن تداهمنا المخاطر، فسيصبح العلاج متأخراً عن موعده وتستعصي العلة”
“لا تحاول أبداً الفوز بالقوة ما يمكن كسبه بالخداع”
“من يريد أن يطاع فعليه أن يعرف كيف يأمر”
“لا يفتقر الأمير أبداً للأسباب كي يكسر بوعده”
المراجع
- نيكولا ميكافيلي – الامير – كتاب مسموع : youtu.be/pbuWDihmVmI
- Niccolo Machiavelli – BBC Documentary
- www.britannica.com/biography/Niccolo-Machiavelli
- www.goodreads.com/author/quotes/16201.Niccol_Machiavelli