إن الأفكار من أهم الجوانب التي تتحكم بحياتنا، ويجب علينا أن نراقبها وأن نحلل الأفكار التي تجتاحنا دون سابق إنذار، لنتجنب الدخول في دوامات اليأس والإكتئاب، بل أن مراقبة الأفكار وتحليل المشاكل من زوايا مختلفة يجنبنا الوقوع في هذه المشاكل، وهذا المقال يشرح إرتباط الأفكار بجوانب حياتنا وصحتنا النفسية الرئيسة.
الأفكار والبيئة
إن صلة البيئة بالأفكار هي صلة قوية جداً، فمعظم أفكار أفراد المجتمع الواحد تكون متقاربة، كما أن ظروف هذا المجتمع تخلق فيه أفكاراً تتناسب مع هذه الظروف، وقد وضح الفيلسوف كارل ماركس هذه النظرية في ماديته التاريخية، حيث ربط البناء الفوقي بالبناء التحتي موضحاً أن البناء الفوقي (القوانين، الأخلاق والسياسات العامة) هو نتيجة للبناء التحتي (الظروف الإقتصادية والجتماعية).
لذلك فإن المواقف والظروف الواقعة علينا من البيئة يكون لها تأثير كبير جداً على أفكارنا ومعتقداتنا بالإضافة لتأثيرها على عواطفنا، وليس مهماً قدر قساوة هذه المواقف أو حجم الصدمة التي تُنتجها، بل أن الأفكار تتأثر بنشأتك المجتمعية وعاداتك الأسرية وأفكار وعادات المجتمع المحيط بك كما تتأثر بأصلك العرقي وجنسك وحتى الدين والطائفة التي تنتمي إليها.
ومثال ذلك إن وجود الشخص في مجتمع ذكوري يولد لديه أفكاراً أو صوراً نمطية عن الرجل أو المرأة بحيث إذا سلكوا مساراً معاكساً لهذه الصورة النمطية تتكون أفكار سلبية لدى المجتمع عنهم، فنجاح المرأة في هذا المجتمع يكون بإمتلاكها للجمال ومهاراتها في المطبخ كما يجب على الرجل أن يكون قوياً، وكما أن أغلب الأمهات تتمنى أن يكون أطفالها إما مهندسون أو إطباء وذلك يولد صورة أو فكرة لدى الطفل بشكل سلبي عن باقي الوظائف كما تكبح طموح ومواهب هذا الطفل.
الأفكار والعواطف
إن كثير منا يفكر في أن المشاعر التي تنتابه في المواقف المشتركة مع الأصدقاء والعائلة لا تكون مماثلة لمشاعرهم، فمثلاً جميعنا مر بعلاقة عاطفية فاشلة أو موت أحد الأقارب، ولكن تختلف قوة عواطفنا في هذه المواقف عن أقاربنا وأصدقائنا وهذا الإختلاف يتولد من إختلاف الأفكار التي إجتاحتنا في ذلك الموقف.
لنفرض أن صديقتك في الجامعة إعترف لك ببداية تكون مشاعر لديها تجاهك، فستتولد لديك عواطف بحسب الأفكار التي ستفكر فيها في ذلك الموقف ومن الممكن أن نتخيل عدة أفكار ستفكر فيها.
- تفكر في أنها لا تحبك ولكنها تريد مصلحة منك فبالتالي تشعر بالإستغلال والحقد بعض الشيء تجاها.
- تفكر بأنك أيضاً تحبها وأنها الشخص المناسب لك والبتالي ستشعر بالمحبة والفرح.
- تفكر بأن لديك أيضاً مشاعر تجاهها ولكنك خرجت قبلها من علاقة فاشلة وتظن أن مصير هذه العلاقة مشابه للأولى فبالتالي تشعر بالأسى والقلق.
- تفكر بأن علاقتكما أفضل كأصدقاء وأنكما لن تستطيعا البقاء كأصدقاء بعد ذلك فتشعر بالحزن.
لنفرض أنك إخترت الخيار الرابع ونتخيل ما الأفكار التي ستتولد لصديقتك بعد ذلك.
- تفكر بأنها من الممكن أن تتحكم بعواطفها عن طريق الأفكار فتشعر بالإطمئنان.
- تفكر بأنك تعتقد أنها لا تستحق أن تحبها فتشعر بالخذلان.
- تفكر بأنها ليست جميلة كفاية أو أن شخصيتها ضعيفة فتشعر بالحزن.
الأفكار والسلوك
إن السلوك ينتج عن الأفكار والعواطف كالغضب، لذلك من المهم جداً أن نراقب أفكارنا وعواطفنا لنغير في سلوكنا، ومن الجدير بالذكر أن الإيمان بفكرة تغيير سلوك ممكن الحدوث منطقياً تزيد بفرصة حدوث هذا التغيير كما أن الأشخاص الذين يؤمنون بقدرتهم على فعل الشيء لديهم فرصة أكبر للنجاح في ذلك.
ولنستخدم المثال السابق في استنتاج السلوك بحسب الأفكار:
سلوكك
- تفكر في أنها لا تحبك ولكنها تريد مصلحة منك فبالتالي تنهي علاقتك معها وربما تتحدث عن هذه الفكرة أمام أصدقاءك الآخرين.
- تفكر بأنك أيضاً تحبها وأنها الشخص المناسب لك والبتالي ستعترف لها بذلك.
- تفكر بأن لديك أيضاً مشاعر تجاهها ولكنك خرجت قبلها من علاقة فاشلة وتظن أن مصير هذه العلاقة مشابه للأولى فبالتالي إما أن تصارحها بذلك فتخسر صداقتكما وإما أن تنهي علاقتك معها.
- تفكر بأن علاقتكما أفضل كأصدقاء وأنكما لن تستطيعا البقاء كأصدقاء بعد ذلك فتنسحب من حياتها تدريجياً.
لنفرض أنك تصرف بحسب الفكرة الرابعة ونتوقع تصرفات صديقتك بحسب أفكارها.
- تفكر بأنها من الممكن أن تتحكم بعواطفها عن طريق الأفكار فتتفق معك على فكرة أنكما أفضل كأصدقاء وتناقشك في أن إنسحابك كان خاطئاً
- تفكر بأنك تعتقد أنها لا تستحق أن تحبها فتتصرف بطريقة أفضل من قبل .
- تفكر بأنها ليست جميلة كفاية أو أن شخصيتها ضعيفة فتصبح منطوية.
الأفكار وردود الأفعال الجسدية
إن الأفكار تؤثر بشكل واضح على ردود الأفعال الجسدية بما في ذلك الهرمونات، فمجرد تذكر موقف مرعب حدث معك في السابق يزيد من نسبة هرمون الأدرينالين لديك، ومن الضروري إستغلال هذه العلاقة للحفاظ على صحتنا فالتفكير والإيمان بأننا سنشفى من مرض ما يزيد من فرصة حدوث ذلك، وأن نستغلها في الحفاظ على صحتنا النفسية فالتفكير بموقف جميل حدث معنا سابقاً أو بصديق مقرب يزيد من الدوبامين والذي يُسمى بهرمون السعادة، والإثبات القاطع على أن الأفكار تؤثر وبشكل سريع على ردود أفعالنا الجسدية أنه عندما نفكر بمشهد رومنسي أو جنسي نشعر بالإثارة الجنسية.
هل التفكير بطريقة إيجابية كافي لحل المشاكل النفسية؟
إن التفكير بطريقة إيجابية لا يشكل حلاً جذرياً لمشاكلك، بل وإن مجرد التفكير بطريقة إيجابية ليس بالأمر السهل، وتبقى أساليب الأشخاص الذين في محيطنا فاشلة في مساعدتنا في أغلب الأحيان، فمثلاً عندما يقولون لك لا تقلق أو لا تحزن يزيدون الأمر سوءً، بل أن المعالجة المعرفية أفضل بكثير من التفكير الإيجابي لأنها تعني النظر في الأمور بزواية متعددة وإدراك أن هنالك وجهات نظر أخرى.
ولا تكفي مراقبة الأفكار وحدها للتحسن بالرغم من أهميتها الكبيرة، بل يجب علينا أن نهتم بباقي الجوانب الأخرى كردود الأفعال الجسدية والبيئة المحيطة بنا، كأن نزور الطبيب بشكل دوري وأن نراقب علاقاتنا المؤذية كالأصدقاء الذين يسحبونك معهم نحو الغرق وهذه من قوااعد الحياة.
المراجع
- كريستين باديسكي، دينيس غرنيبرغر (2014)، كتاب العقل فوق العاطفة، ترجمة د. مأمون المبيض
- كارل ماركس (1969)، نقد الاقتصاد السياسي، ترجمة د. راشد البراوي، دار النهضة العربية، صفحة 2-3