كارل ماركس
ولد كارل ماركس سنة 1818م في ألمانيا، وهو من أصول يهودية، درس الحقوق والفلسفة، ومن ثم عمل في الصحافة، توفي سنة 1883م، وله العديد من المؤلفات في الفلسفة والتاريخ والاقتصاد والسياسة.
يعتبر كارل ماركس من أحد علماء الاجتماع الاقتصادي الألمان الذين وهبوا الشيء الكثير لنمو وبلورة علم الاجتماع الاقتصادي وتحويله إلى علم واضح المعالم والأهداف، كما يعتبر من أكثر المؤثرين الاشتراكيين في القرن التاسع عشر، وقد عبر عن أفكاره الاشتراكية الرئيسية بدايةً في البيان الشيوعي مع زميله فريدرك انجلز الصادر سنة 1848م، ويعتقد ماركس أن التاريخ صراع بين ملاك رؤوس الأموال والعمال، وأن الاشتراكية ستنهي هذا الصراع الطبقي وتحل محل الرأسمالية، فهو تأثر كثيراً بالظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة في معظم الدول الأوروبية من فقر واستغلال وحرمان من طرف الطبقة البرجوازية.[1]
البيان الشيوعي
يعتبر هذا البيان دستور الاشتراكية الماركسية، وكان الهدف الأساسي منه هو الإعلان على الملأ أن انحلال الطبقة البرجوازية هو القدر المحتوم الذي لابد منه، وكان الشعار الذي نادى به “يا عمال العالم اتحدوا” دعوة لانتفاضة طبقة البروليتاريا ضد الطبقة البرجوازية، وتحدث من خلال هذا البيان عن مساوئ الطبقة البرجوازية والتي تؤدي إلى سوء أحوال الطبقة العاملة في هذا المجتمع البرجوازي، هذه الطبقة الفقيرة هي التي ستنقلب على البرجوازية.[2]
أسس الاشتراكية العلمية
إن خلاصة التحليل العلمي لماركس هي أن النظام الرأسمالي لابد أن ينتهي به الأمر إلى الفناء، طبقاً لقوانين التطور التاريخي العام، لأن منطق هذا النظام نفسه يؤدي إلى وجود قوى متناقضة تعمل داخله، كما ويؤدي تناقضها إلى القضاء عليه في نهاية المطاف وقيام الاشتراكي على أنقاضه، وقد اعتمد ماركس في تحليله هذا على ثلاث أسس، وهي:[3]
فلسفة هيجل
من أهم نظريات الفيلسوف هيجل “نظرية التطور الدياليكتيكي”، والتي فسر بها تطور الفكر الإنساني، ففي رأيه أن أية فكرة عندما تُبعث تحمل في طياتها بذور زوالها لأنها لا تتسم بالكمال المطلق، ومن هنا يقوم نقدها الذي ينفيها ويظهر نقيضها، وهذا النقيض نفسه يحمل في طياته بذور زواله، وهكذا وعلى مثل هذا النهج يكون الفكر الإنساني في تطور، وحسب هيجل أن هذه الأفكار حينما تتشكل من العقل تؤثر على الحياة والواقع المادي فيتشكلان طبقاً لهذه الفكرة، فالنظم السياسية والاجتماعية هي تشكيلات مادية لفكرة أو مجموعة من الأفكار، وبالتالي كلما تطورت هذه الأفكار تطورت هذه التشكيلات، بمعنى أسبقية الفكرة على المادة، غير أن ماركس اخذ من هيجل ما يعرف بالطريقة الجدلية في التطور لكنه تناولها بطريقة مخالفة.
المادية الجدلية
اخذ ماركس عن هيجل نظريته في التطور الديالكتيكي التي فسر بها تطور الفكر الإنساني ولكنه عكسها، حيث أنه لا يسلم بأن الفكر هو الذي يحرك تطور التاريخ البشري، وقد حاول أن يحدد القوى الحقيقية لهذا التطور، وانتهى به الأمر إلى فكرة أطلق عليها “التفسير المادي أو الاقتصادي للتاريخ”، ومقتضى هذه الفكرة أن النواحي السياسية والاقتصادية والفكرية إنما تتشكل وتتكيف بظروف الإنتاج وبالعلاقات التبادلية القائمة في المجتمع.
فليس الفكر الإنساني إذن هو الذي يحدد للإنسان طريقة معيشته، ولكن طريقة معيشته هي التي تحدد وعيه وفكره، وجملة القول أن العامل الاقتصادي هو الأساس في تشكيل جميع العوامل الأخرى بما فيها الفكر، لذا سميت نظريته بالمادية التاريخية .
المادية التاريخية والصراع الطبقي
إن المادية التاريخية هي تطبيق للمادية الجدلية على الحياة الاجتماعية والسياسية، وهنا يستنتج ماكس من التطور التاريخي وما تخلله من نظم اجتماعية، بأن كل نظام اجتماعي يحمل في داخله بذور فنائه، ففي كل نظام تنشأ قوى تناهضه حتى تقضي عليه وتزيله لتنشئ مكانه نظاماً جديداً، وفي هذا النظام الجديد تنشأ قوى جديدة تناهضه وتقيم مكانه نظام جديد، وهكذا.
من هنا يعتبر أنه ما من مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي إلا وشهدت صراعا طبقياً، ناجم عن وجود طبقتين متفاوتتين في الغنى، هذا الصراع بدأ منذ أن زال نظام الملكية المشتركة للأرض وقام مكانه نظام الملكية الفرجية القائم على استغلال الإنسان للإنسان.
وفي هذا الصدد يقول ماركس بأن النظام الرأسمالي سينهار ليقوم مقامه النظام الشيوعي، ولكن الوصول لهذا النظام لابد من اندلاع الثورة البروليتاريا لاستلام السياسة من الطبقة الرأسمالية، ووضعها بتصرف الطبقة العمالية؛ لكي تتمكن هذه الطبقة بواسطتها من ضرب الملكية الرأسمالية الفردية لوسائل الإنتاج وتحويلها إلى ملكية جماعية.
مكانة السياسة في النظرية الماركسية
قدم ماركس نظرة مغايرة مناقضة للغاية لكل من سبقه من المفكرين، حيث لا يعترف بشيء اسمه علم السياسة، ويقول أنه مرتبط بالكل، وهو علم الاجتماع الذي يتضمن في جنباته كل العلوم المختلفة، حيث يرى أنه لا يوجد فصل بين السلطتين السياسية والاقتصادية، لأن السلطة الاقتصادية تملك أدوات قوية للضغط على السلطة السياسية، مما يجعل صورة مراكز التقرير السياسي المتعددة صور خداعة كاذبة، وبالتالي تعتبر بمثابة محاولة لإيجاد تبرير شرعي أو أخلاقي لممارسة القوة السياسية.
فالماركسية هي نظرية القضاء على السياسة لأنها تحاول إقامة مجتمع شيوعي، فهي تسعى في نهاية الأمر إلى تجاهل السياسة والعمل بدونها والاستغناء عنها.[4]
أصل نشأة الدولة حسب ماركس
يرى الماركسيون أن الدولة نشأت نتيجة انقسام المجتمع إلى طبقات، والطبقة المسيطرة احتكرت السلطة لكي تدافع على مصالحها، واستعملت القوانين السياسية لكي تواصل سياستها، وبالتالي فان السلطة السياسية عند الماركسيين ما هي إلا تنظيم لسلطة طبقة ما للسيطرة على طبقات أخرى داخل المجتمع، وبالتالي فالدولة ما هي إلا ظاهرة عابرة وجودها مرتبط بنظام الطبقية في المجتمع، حيث لم تظهر الدولة في المجتمع البدائي لعدم وجود طبقية لعدم وجود ملكية خاصة، لكن مع التطور وتعقد الحياة وظهور الملكية الخاصة، أدى هذا إلى الطبقية في المجتمع، مما أدى أيضاً إلى الصراع، وهذا ما تطلب وجود سلطة تنظيمية لفض النزاع.[5]
لذلك فالدولة ضرورية لتحقيق الاستقرار نظراً للطبقية، وبانتهاء الطبقية والصراع الاجتماعي بالانتقال الى الحياة المشاعية، لم تعد هنالك حاجة الى الدولة وبالتالي تزول.
[1] هشام محمد، قراءة في عقل ماركس، العالمية للكتب والنشر.
[2] ماركس وانجلز، البيان الشيوعي، ترجمة عفيف الاخضر، منشورات الجمل.
[3] هيجيل، الهيجلية الجديدة، ترجمة إمام إمام، دار التنوير.
[4] عبد الله آل محمود، الاشتراكية الماركسية ومقاصدها السيئة.
[5] اكسل هونيت، فكرة الاشتراكية، ترجمة جورج كنورة، المكتبة الشرقية.