مرحلة التعارف او الطلبة أو الخطوبة أو التقدم للزواج أو لقاء شخص غريب لا تعرفه هي مرحلة توتر لدى الطرفين، خاصة إذا كانت المرة الأولى، فمن الطبيعي أن تشعر أن الأمر غريبا وأن تتوتر في المواقف التي يكتنفها الغموض.
لكن الشخص المستعد والذي يتسلح بالمهارات اللازمة يستطيع أن يتقرب من أي شخص ويوجه مجريات اللقاء لصالحه وبشكل سلس، وهذا هو هدف المقال: المساعدة في تحويل تجربة اللقاء الأول من تجربة يسودها التوتر إلى تجربة ممتعة ومريحة تستطيع من خلالها التأثير على الشخص الذي يجلس امامك بشكل ايجابي وانهاء هذا اللقاء بكل ثقه، وسنسلحك بأهم هذه المهارات التي تجذب الناس نحوك وتجعلك متميزا بنظر الأخرين.
التجهيز والاستعداد قبل المقابلة
الاستعداد عامل مهم جدا في نجاح أي مقابلة سواء كانت عاطفية أو وظيفية أو اجتماعية، وللتعبير عن أهمية هذه الخطوة، يقول الكاتب روبرت شلديني (Robert Cialdini) في كتابه الإقناع : طريقة ثورية للتأثير والإقناع (1):
“أفضل المنجزين يمضون المزيد من الوقت في صياغة ما فعلوه وقالوه قبل تقديم الطلب. وقد حددوا مهمتهم كمزارعين ماهرين يعرفون أن حتى أفضل البذور لن تتجذر في التربة الصخرية أو تحمل ثمارها الكاملة في الأرض غير المستعدة جيداً. لقد أمضوا الكثير من وقتهم وهم يكدحون في مجالات التأثير والتفكير في الزراعة – للتأكد أن الحالات التي كانوا يواجهونها قد تم معالجتها مسبقا وتم تجهيزها للنمو.”
ومن الجدير بالذكر أن خبراء فن الحوار والحديث كأمثال دال كارنِجي (Dale Carnegie)، لا ينصحون أبدا بحفظ الخطاب او الافكار كلمة بكلمة. كل ما عليك فعله هو تجهيز النقاط الرئيسية، وهذا ينطبق على المقابلات العاطفية والرومنسية (2). يعني خذ وقتك بالتفكير والتأمل والمراجعة قبل المقابلة. قيم معتقداتك وأفكارك واسئلتك ومواضيعك التي تود طرحها على الطاولة، وفكر بأفضل طريقة تبدا بها الحديث (المقدمة)، وابني توقعاتك للاسئلة التي يمكن ان يطرحها الطرف الاخر، وكن واعيا ان السؤال الذي تطرحه قد يُطرح عليك ايضا.
على سبيل المثال، من إحدى الطرق لبدء الحديث وكسر الجليد هي أن تسأل الفتاة عن عمرها في البداية حتى ولو كنت تعرف عمرها، لنرى السبب في ذلك وطريقة بدأ الحديث في المحادثة التالية :
انا : كم عمرك ؟
الفتاة : 25 سنة
انا : يعني عندك 25 سنة من الحديث. من وين بتحبي تبدي ؟
هذا السؤال مقدمة جيدة للحديث، فهو يجلب الابتسامة للشخص الذي يسمعك ويكسر الجليد بينك وبينه، كما أن السؤال مفتوح، لا تقتصر اجابته بنعم أو لا ويستطيع أن يعطي الشخص المستلم خيارات عديدة للإجابة على السؤال وطرح الحديث. لو سألت عن العمر وتوقفت هنا لوصل الحديث إلى طريق مسدود، وفي هذه الحالة يتوجب عليك أن تسأل سؤال آخر.
بشكل عام يجب أن تُصاغ الاسئلة بشكل مفتوح لكن الاسئلة التي تحتوي على اجابة نعم او لا لها فائدتها في تفادي احراج الشخص الذي تسأله.
على سبيل المثال، لا نسأل ما هو أفضل كتاب قرأته؟ بل نسأل اولا هل تحبين القراءة ؟ ان كانت الاجابة نعم نسأل عندها : ما هو أفضل كتاب قرأته أو ما هو أكثر كتاب أثر بك؟
تذكر انك في المقابلة الاولى، فلا يجب ان تسال اسئله حساسه او تتدخل في خصوصيات الطرف الآخر فمهمتك في هذه المقابلة هي تقييم شخصية الطرف الآخر وترك انطباع جيد لديه. بعد المقابلة الاولى ، تستطيع ان تسأل الاسئلة الأكثر حساسية تدريجيا لكن بطريقة لا تضايق الشخص. على سبيل المثال، لا نسأل (بتصلي؟) بل نسأل هل تعتبر نفسك شخص متدين؟ وحسب الاجابة نستطيع أن نسأل أسئلة أكثر دقة وعمق، وعلى نفس الوتيرة نطرح الاسئلة الحساسة الاخرى :
ما رأيك بالحجاب؟
هل تؤمنين بالصداقه بين الرجل والمرأه؟
ما هي أكلتك المفضلة ؟ هل تجدين طبخها؟
بتعرفي تطبخي ولا حنقضيها نواشف؟
من الطبيعي أن تبدو متوترا في البداية، لكن عندما تبدء بداية صحيحة – وأنت مستعد لها، يتلاشى التوتر بسرعة مع الانخراط في الحديث، وان كنت خائفا من أن تواجه أي موقف في الحياة ازرع في ذهنك أن الخوف هو مجرد وهم وخيال لانك عندما تواجهه، ستكتشف أن ليس له وجود.
الذكاء العاطفي
الذكاء العاطفي هو كيفية التعامل مع أنفسنا وعلاقتنا مع الناس. ربما أفضل طريقة لفهم هذا المصطلح بعمق هي عرض مكوناته وفقا للكاتب والعالم النفسي دانييل جولمان (Daniel Goleman) صاحب كتاب “الذكاء العاطفي” وهي : الوعي الذاتي، وادارة المشاعر، والتعاطف مع الاخرين ، وامتلاك المهارات الاجتماعية (3).
الوعي الذاتي – وصف دانييل الوعي الذاتي للمشاعر والأفكار أنه أهم مكونات الذكاء العاطفي وعرفه كما يلي:
“الوعي الذاتي يعني القدرة على مراقبة عالمنا الداخلي – أفكارنا ومشاعرنا. اليقظة هي إحدى طرق تعزيز هذه السعة الأساسية – فهي تدرب انتباهنا إلى ملاحظة إشارات خفية ، ولكنها مهمة ، ورؤية الأفكار والمشاعر عند ظهورها بدلاً من أن تكتسحنا (4).” و يضيف دانييل قائلا : “عدم القدرة على ملاحظة مشاعرنا الحقيقة تتركنا تحت رحمتها (5).”
ادارة المشاعر (تنظيم الذات) – وهي القدرة على تهدئة النفس والتخلص من القلق و التوتر والمزاج السيئ.، والقدرة على ضبط المشاعر وعدم السماح لها بأن تخرج عن السيطرة، والتفكير قبل الإقدام على فعل شيء ما. الاشخاص الذين يديرون مشاعرهم جيدا “لا يغضبون ولا يغارون بشكل مفرط” (6).
التعاطف – أن تضع نفسك في مكان غيرك وان تدرك مشاعر الآخرين. استشهد دانيال في كتابه بدراسات علمية مفادها أن النساء بشكل عام افضل من الرجال في التعاطف مع الآخرين. الرجال الذين يتمتعون بالتعاطف كان لهم علاقة أفضل مع الجنس الآخر، وبذلك فان التعاطف يساعد في العلاقات الرومنسية (7).
ادارة العلاقات (المهارات الاجتماعية) – وهي ادارة وفهم المشاعر لدى الاخرين. الأشخاص الذين يتمتعون بمهارات اجتماعية لهم قدرة على جعل الأشخاص يهدؤون عند الغضب او يبتسمون عند الحزن ويتجنبون المواقف التي يشعرون انها سوف تضايق الآخرين، و يحاولون احتواء الضرر والخروج من المواقف الاجتماعية الصعبة دون خسارة لجميع الأطراف.
لمزيد من التفاصيل، ننصح بقراءة : الذكاء العاطفي، هل انت متخلف عاطفيا؟
الفكاهة
ببساطة، الفكاهة سلاح ذو حدين، يقول الكاتب والبروفسور النفسي د. رود مارتن وزملاؤه في بحث أجري في عام 2003، الفكاهة لها اربعة انواع وهي(8):
- الفكاهة الشرسة : التهكم على الآخرين
- الفكاهة الانهزامية : التهكم على نفسك لإرضاء الآخرين
- الفكاهة التعزيزية : أن تجعل نفسك تشعر بطريقة أفضل عن طريق إيجاد الفكاهة في مواقفك
- الفكاهة التآلفية : استخدام الفكاهة لتحسين العلاقة مع الآخرين عن طريق مشاركة النكت والقصص المضحكة مع الاصدقاء.
أظهرت نتائج دراسة اجريت ان الفكاهة التآلفية ارتبطت برضا أكبر في العلاقة بين الشريكين وأظهرت تبادلات إيجابية . بينما الفكاهه الشرسة بالنسبة للشريك الذي تلقاها سببت انخفاض في نسبة الرضى في العلاقة وأظهرت تبادلات سلبية، فكلما استخدم الشخص الفكاهة الشرسة بشكل أكبر كلما قل الرضى و العكس صحيح (9).
بالطبع جميعنا مارسنا في مرحلة من المراحل في حياتنا الفكاهة الشرسة والانهزامية لكن يجب على الشخص أن يستخدم الفكاهة التعزيزية والتآلفية مع الأشخاص الغرباء لكي يتم بناء اتصال إيجابي معهم، حاول الابتعاد عن السخرية والتهكم على الناس بشكل خاص او على نفسك بشكل عام، لكن جدير بالذكر أن بعض علماء النفس يفسرون السخرية على الذات (على نفسك) بالثقة بالنفس.
القيادة ومهارات الاتصال
“فن الاتصال هو لغة القيادة” و “الاتصال – الاتصال البشري – هو المفتاح للنجاح في الحياة الشخصية والوظيفة” (10). يجب أن تكون قيادي بما فيه الكفاية لكي توجه رياح المركب بالاتجاه الصحيح عن طريق الاتصال الواضح والمباشر و المعبر.
من مهارات الاتصال التي تجعل من قياديا ناجحا هي الاستماع أكثر من التحدث. يجب أن تكون مدركا أنك لست لوحدك والحديث لا يتمحور حول عالمك فقط بل أيضا حول الشخص الذي أمامك، فأعطه حقه في الحديث والتعبير وحاول أن تتمتع بضبط النفس عن طريق الامتناع عن مقاطعة الشخص إلا إذا أردت أن تستفسر عن شيء لم تفهمه.
انتبه الى لغة جسدك ونبرة صوتك. تشير البحوث إلى أن لغة الجسد تشكل 55 % من مجمل الاتصال ونبرة الصوت 38 % من مجمل الاتصال، والباقي (7%) هو الكلام الذي يخرج من فمك (11). بغض النظر عن صحة هذه الأبحاث، لغة الجسد ونبرة الصوت تتحدث ايضا وتستطيع قول الكثير، فكن واعيا لها.
حاول أن تتجنب السكوت الغريب عندما ينفذ الحديث، لماذا؟ يقول الباحثون انه عندما تسير المحادثة بشكل سلس بين طرفين، فإنهما يشعران عادة ً أنهما يمتلكان أشياء مشتركة وينتميان لبعضهما البعض (12).
تعلم أن تستغل السكوت لصالحك أيضا عن طريق تبادل النظرات، قد يبدو الأمر غريب وصعب، لكن له فوائده. يقول الباحثون أن التحديق المشترك في العيون هو إشارة على الحب ويولد الإثارة (13)، وهذا النوع من الاتصال يبني الثقة أيضا (14).
بالطبع قد يشعر الطرف الاخر بعدم الارتياح ويقول لك ما الخطب؟ شو في؟ يمكن أن تقول ببساطة وثقة انا في انتظارك ! او استغل الموقف للغزل ان كنت قادرا على فعل ذلك باسلوب سلس وبسيط ومحترم (عيونك جميلة). ولكي تتفادى ان تحرج الشخص، يمكن ان تقول على سبيل المثال: على سيرة العيون، بتحبي البيض مقلي ولا بعيون (فكاهة). ومن هنا تستطيع استغلال الحديث عن الطبخ وهكذا تخرج من مأزق الغزل وتخرج من حديث إلى حديث آخر.
هناك طريقة للتغلب على السكوت الغريب وهي طريق تفصيل الكلام. على سبيل المثال، يدور حديث بينك و بين شخص حول الطبخ.
على سبيل المثال تبدأ بطرح السؤال التالي : هل تجيد الطبخ؟ من سؤال واحد نستطيع تفصيل العديد من الاسئلة وهكذا نفصل الحديث: متى اخر مرة طبخت فيه؟ كيف تعمل طبخة كذا وكذا؟ ما هي اصعب طبخة؟ ما هي افضل طبخة بالنسب لك؟ ما هي الاكلات التي لا تحبها؟ وهكذا الى ان يتغير مسار الحديث نحو حديث اخر بشكل طبيعي وعفوي ومنطقي.
لا تعطي تفاصيل كل حياتك في أول مقابلة، لماذا؟ لانك تريد ان تترك مجال للحديث والاتصال في المرات القادمة. استغل هذه النقطة لصالحك، كيف؟ اثر الفضول والغموض والتشوّق للقاء ثاني. على سبيل المثال، ان افشيت سرا او حدثا عن حياتك ويريد الشخص معرفة المزيد. تقول هذه قصة طويلة سوف اخبرك عنها المرة القادمة.
و من مهارات الاتصال التي تجعلك شخصا سلسا و مريحا في الحديث هي مهارة إخراج الطرف الآخر من المواقف المحرجة او من المواقف التي يشعر فيها الطرف الآخر بالارتباك فإذا شعرت انه مرتبك يجب عليك قيادة الحوار الى موضوع آخر بطريقه فكاهيه ومنطقية لتجعل الشخص الآخر يكسر حاجز الخوف من مقابلتك و تجعله يرتاح لك بشكل اكبر.
الثقافة والمعرفة
اكتفي هنا بمقولة زوجة الرئيس الأمريكي ايلنور روزفلت (Eleanor Roosevelt) : “العقول الضعيفه تناقش الناس والعقول المتوسطة تناقش الاحداث والعقول العظيمة تناقش الافكار.” الثقافة تحصل عليها من التعليم أو من حبك للبحث عن الحقيقة والمعلومة. اقترح أن تبحث في أي موضع يناقشه زملاؤك و لا تعرف عنه شيئا فكلما كان لديك معلومات و ثقافة اكبر والالمام بعدة مواضيع تستطيع فتح أفاق واسعة في النقاش و تستطيع الإجابة على أكبر عدد من الاسئله وان تخرج من الأسئلة المحرجة بسهوله.
الخلاصة
هذه المهارات هي المهارات الأساسية لتكون شخصا متميزا في علاقاتك الاجتماعية ويجب ان تضعها على أساسات متينة الا وهي الثقه والعفويه اي ان لا تكون شخصا متصنعا. بلا شك أن هذه المهارات ليست الوحيدة ولكنها المهارات الأساسية التي تستطيع من خلالها خوض النقاشات بكل سلاسه واكتشاف مهارات اخرى عن طريق الممارسة وتوسيع الدائرة الاجتماعية خاصتك.