تعريف الشخصية السيكوباتية
السيكوباتية (الاعتلال النفسي) هي بناء متعدد الوجوه يتكون من أربعة أبعاد على الأقل والتي تعكس حالات الشذوذ في علاقة الشخص السيكوباتي مع الأفراد من حوله وفي عاطفته، وفي نمط حياته، ولمعاداته للمجتمع. هذه الأبعاد الأربعة هي عبارة عن مجموعة من السمات والسلوكيات الشاذة التي تجعل أحدهم شخصاً سيكوباتياً من المنظور العلمي مثل الكذب المرضي وعدم الندم وعدم تأنيب الضمير وقسوة القلب وضعف القدرة على التعاطف مع الآخرين والتلاعب بهم، بجانب التجرد من الأخلاق واخفاء عجز المشاعر وممارسة سلوكيات منحرفة اجتماعيًا وغيرها مع التمتع بقدرة إدراكية وعقلية سليمة.
تاريخ السيكوباتية الأكاديمي والإكلينيكي
بدأ الكشف عن نقاب الشخصية السيكوباتية مع بداية القرن التاسع عشر من قبل أب الطب العقلي (Psychiatry) المعاصر فيليب بينيل (Philippe Pinel) الذي عمل للمرة الأولى بطريقة إكلينيكية على وصف المرضى الذين يملكون عقلاً سليماً وسمات وسلوكيات شاذة مثل عدم المسؤولية والتجرد من الأخلاق والاندفاع والتهور وهي سمات وسلوكيات ترتبط اليوم بمصطلح السيكوباتية الذي أصبح أكثر تقدماً منذ ذلك الحين (وأطلق فيليب على هذه السمات والسلوكيات الشاذة اسم الجنون دون الهذيان).
لكن في عام 1888 قام الطبيب النفسي الألماني كوخ ( J.L.A. Koch) وللمرة الأولى باستخدام مصطلح السيكوباتية والذي كان يؤمن بأن سبب السيكوباتية ناجم عن عيب خلقي منذ الولادة في تكوين الدماغ.
وفي عام 1941 قام العالم النفسي هارفي كلسكي (Hervey Cleckley) بنشر كتابه قناع سلامة العقل (The Mask of Sanity) الذي عرض فيه قائمة مكونة من 16 سمة وسلوك تعكس على شخصية الشخص السيكوباتي من خلال دراسته لعدة مساجين سيكوباتيين. وبذلك يُعد كلسكي من أكثر الأشخاص تأثيراً في مجال دراسة السيكوباتية.
في عام 1980 سار العالم النفسي دكتور روبرت هير (Robert Hare) على خطى كلسكي في تعزيز وتوسيع مفهوم السيكوباتية وعرض قائمة مكونة من 22 سمة وسلوك تساعد على تشخيص الشخصية السيكوباتية. وفي عام 1991 قام هير بتحديث وتعديل القائمة مجدداً وخفضها إلى 20 سمة وسلوك، وبعدها جاءت قوائم أخرى مثل قائمة مخزن الشخصية السيكوباتية لعالم النفس الأمريكي ليلينفلد (Lilienfeld)، والتي تحتوي على 8 عوامل يُدرج تحتها 187 سمة وسلوك شاذ قبل تعديلها في عام 2005، لكن قائمة هير أصبحت تستخدم عالمياً لتشخيص الأشخاص السيكوباتيين لكنها لم تسلم من الانتقاد أيضاً.
قائمة تدقيق هارفي كلسكي لتشخيص الشخصية السيكوباتية
- جاذبية ظاهرية ومستوى جيد من الذكاء
- غياب الأوهام والعلامات الأخرى الدالة على التفكير اللاعقلاني
- غياب “التوتر” او اي من مظاهر العصاب
- عدم الموثوقية
- انعدام الصدق والإخلاص
- انعدام الندم والخجل
- سلوك مضاد للمجتمع
- قدرة ضعيفة على الحكم وعدم القدرة على التعلم من التجارب
- تمركز مرضي حول الذات والعجز عن الشعور بالحب
- انخفاض عام في معظم الاستجابات الوجدانية الرئيسية
- فقر الاستبصار
- انخفاض الاستجابة لعلاقات الشخصية العامة
- ظهور سلوكيات غريبة سلوكيات غير قابلة للتعليل عند شرب الكحول او احياناً من دونها
- غياب او ندرة محاولات الانتحار
- عدم الاهتمام بالحياة الجنسية فهي ليست ذات اهمية كبيرة من وجهة نظرهم
- العجز عن اتباع خطة حياتية محددة
قائمة تدقيق هير المعدلة لتشخيص الشخصية السيكوباتية
قائمة تدقيق هير المعدلة (Hare Psychopathy Checklist) تحتوي على عشرين من السمات الشخصية والتصرفات الشاذة المكملة لقائمة كلسكي وهي:
- عفوية وسحر ظاهري مثل الابتسامة الظاهرية والتحدث بلباقة والكلام المعسول والظرافة المصطنعة
- تعظيم الذات بشكل مبالغ فيه مثل التعالي على الأخرين ورفع الشأن والأهمية
- الكذب المرضي
- المناورة والخداع والتلاعب بالأخرين
- فشل الشخص في تحمل مسؤولية أفعاله
- عدم الشعور بالذنب والندم وتأنيب الضمير
- مشاعر سطحية واستجابة عاطفية مصطنعة
- قسوة القلب وضعف القدرة على التعاطف مع الآخرين
- الحاجة إلى النشاطات التي تؤدي إلى المتعة الزائدة والحماس
- الافتقار إلى أهداف واقعية بعيدة المدى
- نمط حياة تطفلية
- الاندفاع والتهور
- عدم المسؤولية
- قدرة ضعيفة على السيطرة على النفس
- مشاكل سلوكية في مقتبل العمر
- اقتراف جنح في سن مبكر
- خرق إطلاق السراح المشروط بعد الإفراج
- تنوع الجنايات
- حب ممارسة الجنس خارج العلاقات الزوجية
- والكثير من العلاقات الزوجية قصيرة الأمد
تصنف 18 من 20 من هذه السمات والسلوكيات تحت 4 عوامل وهي:
العلاقات بين الأفراد (Interpersonal)
- عفوية وسحر ظاهري مثل الابتسامة الظاهرية والتحدث بلباقة والكلام المعسول والظرافة المصطنعة
- تعظيم الذات بشكل مبالغ فيه مثل التعالي على الأخرين ورفع الشأن والأهمية
- الكذب المرضي
- المناورة والخداع والتلاعب بالأخرين
- فشل الشخص في تحمل مسؤولية أفعاله
المشاعر والعاطفة (Affect)
- عدم الشعور بالذنب والندم وتأنيب الضمير
- مشاعر سطحية واستجابة عاطفية مصطنعة
- قسوة القلب وضعف القدرة على التعاطف مع الآخرين
نمط الحياة (Lifestyle)
- الحاجة إلى النشاطات التي تؤدي إلى المتعة الزائدة والحماس
- الافتقار إلى أهداف واقعية بعيدة المدى
- نمط حياة تطفلية
- الاندفاع والتهور
- عدم المسؤولية
سلوك معادي للمجتمع (antisocial)
- قدرة ضعيفة على السيطرة على النفس
- مشاكل سلوكية في مقتبل العمر
- اقتراف جنح في سن مبكر
- خرق إطلاق السراح المشروط بعد الإفراج
- تنوع الجنايات
الصفتين المتبقيتين (حب ممارسة الجنس خارج العلاقات الزوجية والكثير من العلاقات الزوجية قصيرة الأمد) تضاف إلى درجة التدقيق لكن لا تقع تحت العوامل الأربعة.
كل صفة او سلوك تأخذ قيمة 0 او 1 او 2 عند استخدام قائمة هير لتشخيص السيكوباتية. الشخص السيكوباتي النقي يحصل على درجة قدرها 40 (درجتين لكل سمة وسلوك 20*2=40). هناك حالة واحدة دونت فقط لشخص مجرم سيكوباتي نقي يدعى (Wayne) من الولايات المتحدة الأمريكية والذي حصل على درجة 40. الشخص الذي يحصل على 30 درجة او أكثر يعتبر شخصاً سيكوباتياً، بينما الأشخاص الذين لم يرتكبوا جرما من قبل بالعادة يحصلون على 5 درجات. أما الأشخاص الذين اقدموا على جرم ما ولكنهم لا يصنفون على أنهم سيكوباتيين يحصلون على حوالي 22 درجة.
ليس بالضرورة أن يكون السيكوباتي جانياً فليس كل جاني سيكوباتي وليس كل سيكوباتي يعد جانياً، فهناك أشخاص سيكوباتيين يحتلون مناصب قيادية في قطاع المال والأعمال والقطاع الحكومي لكن يجب التفريق بين القادة والمدراء السيكوباتيون والقادة والمدراء الذين يتمتعون ببعض السمات والسلوكيات السيكوباتية ولا يصلون الدرجة المطلوبة (30 وما فوق) لكي يستحقوا لقب الشخصية السيكوباتية.
يعني لا نستطيع أن نحكم على شخص ما بالسيكوباتية بناءً على سمة سلبية أو سلوك منحرف اجتماعياً. معاينة وتشخيص الشخص السيكوباتي يجب أن تتم عن طريق شخص مؤهل ومدرب وخبير في هذا المجال. يقدر الباحثون أن 1 من كل 100 شخص في أمريكا هو شخص سيكوباتي بينما تقل هذه النسبة في بريطانيا، 1 لكل 200 شخص.
قائمة مخزن الشخصية السيكوباتية معدلة (2005)
تحتوي هذه القائمة المعدلة على 154 سمة وسلوك تُدرج تحت 8 عوامل وهي:
- الغرور الميكافيلي (Egocentricity Machiavellian) : يستغل الآخرين ويتلاعب بهم
- اللوم الخارجي (Blame Externalization): لا يتحمل مسؤولية أفعاله واخطائه ودائما يلوم الآخرين عليها
- التأثير الاجتماعي (Social Influence) : قادر على التأثير على من حوله
- عدم الخوف (Fearlessness): متهور واندفاعي ويأخذ المخاطر بدون الشعور بالقلق والخوف
- المناعة من التوتر (Stress Im-munity) : لا يشعر بالتوتر في المواقف التي تستدعي التوتر
- برودة القلب (Coldheartedness) لا يشعر بالذنب وتأنيب الضمير ولا يعطف على الآخرين
- عدم الاكتراث (Carefree Nonplanful-ness): لا يهتم بالمستقبل
- تمرد وعدم الامتثال (Rebellious Nonconformity): لا يكترث للعادات والتقاليد والقوانين والقيم والمبادئ
أسباب السيكوباتية: بيئية ام خلقية
بعض العلماء يؤمنون بأن السيكوباتية تتطور منذ الصغر بسبب الإساءة والعنف الأسري والصدمات النفسية لكن هناك إجماع متزايد ودلائل علمية تشير أن الشخصية السيكوباتية تأتي مع الولادة بسبب عطل معين في الدماغ. وتوصل العلماء إلى هذه النتيجة عن طريق مسح أدمغة المجرمين السيكوباتيين بتقنية الرنين المغناطيسي والنظر بداخلها ومقارنتها مع أدمغة الأشخاص العاديين حيث وجد العلماء أن اللوزة الدماغية (amygdala) المسؤولة عن المشاعر واستجابتها مثل الخوف والعدوانية والقشرة الجبهية الحجاجية (Orbitofrontal cortex) المسؤولة عن اتخاذ القرارات (التهور والاندفاع) أظهرت عطل أكبر في أدمغة الأشخاص السيكوباتيين بالمقارنة مع أدمغة الأشخاص العاديين. لكن الأمر لم يحسم بعد ولا زالت البحوث جارية وقائمة في هذا المجال المعقد.
بمعنى آخر سبب السيكوباتية قد يعود إلى مجموعة من العوامل مثل البيئة والجينات لكن لا أحد يعرف بالضبط كم من الشخصية السيكوباتية متوارث وكم منها متعلق بالبيئة.
المراجع
- www.telegraph.co.uk
- BBC documentary
- www.scholarpedia.org
- Handbook on Psychopathy and Law, page 44
- Harvey Cleckley 1941, Mask of sanity
- www.cbc.ca
- Julius Ludwig August Koch (1841-1908). Psychiatrist, philosopher, and Christian, retrieved September 15 from: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/17333864
- Psychopathy: Developmental Perspectives and their Implications for Treatment , retrieved September 15 from: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4321752
- Joshua D Miller, Donald R Lynam (2011), An Examination of the Psychopathic Personality Inventory’s Nomological Network: A Meta-Analytic Review
- Robert D Hare, Craig S Neumann (2008), Psychopathy as a Clinical and Empirical Construct