الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يلجأ إلى تكوين العلاقات الاجتماعية مع بني جنسه، ومن هنا لا بد من تقنين الأسس والقوانين والمبادئ الأساسية للعلاقات الإنسانية، لنأصل لأدب التعامل مع الآخرين، لأن الأدب يعد عاملاً مهماً في بناء حياة اجتماعية ايجابية، قائمة على أساس العدل الاجتماعي، والعلاقات الإنسانية النظيفة المبنيّة على التعاون والتناصر ومراعاة المشاعر والأحاسيس.
يبدأ موضوع مقالنا هذا من منطلق الشعور بالحاجة الماسة إلى إعادة بناء العلاقات الإنسانية الايجابية على أساس من الثقة والاحترام المتبادل، ومراعاة المشاعر والأحاسيس، لما لذلك من دور إيجابي في توثيق عرى المحبة بين الناس، وفي القدرة على اختراق الكثير من الحواجز النفسية، والوصول بسهولة إلى قلوب الآخرين، وذلك بغرض تجاوز الكثير من الإشكالات والعقبات التي تعترض سبيل السعادة الإنسانية، وتشوش على العلاقات القائمة بين الناس.[1]
العلاقات الإنسانية والتفاعل الاجتماعي
يطلق مصطلح العلاقات الإنسانية على أساليب التعامل بين الناس وتفاعلهم في المجتمع الذي يعيشون فيه، في شتى جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية، ومرافقه العملية والتعليمية والأسرية. وينطبق ذلك بطبيعة الحال على المؤسسة أو المنظمة التي تجمع الناس في شكلٍ من أشكال التنظيم بغرض الوصول إلى هدف معين مشترك[2].
فالعلاقات الإنسانية تتعلق بتفاعل الأفراد في جميع أنواع المجالات، ويُشاهد هذا التفاعل بصفة عامة في تنظيمات العمل، حيث يرتبط الأفراد بنوع من البناء والنظام الشكلي في سبيل تحقيق هدف معين من خلال الترابط والانسجام والتعاون فيما بينهم.[3]
وينظر إلى العلاقات الإنسانية من وجهة نظر علماء الإدارة على أنها: “دمج الأفراد في موقف العمل الذي يدفعهم إلى العمل سوياً كجماعة منتجة متعاونة، مع ضمان الحصول على الإشباع الاقتصادي والنفسي والاجتماعي، وهدفها هو جعل الأفراد منتجين متعاونين، من خلال الميول المشتركة، والحصول على الإشباع عن طريق تنمية علاقاتهم وتوطيدها. وعندما يتم تحقيق هذه الأهداف تبرز الجهود الموفقة للجماعة، حيث يعمل الأفراد سويّاً بطريقة منتجة مشبعة”.[4]
فالعلاقات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي مصطلحان مرتبطان ببعضهما بحيث لا يحدث أحدهما دون الآخر، حتى إنهما أصبحا كمترادفين فعد البعض التفاعل النفسي والاجتماعي شكلاً من أشكال العلاقات الاجتماعية ، في حين عد البعض الآخر العلاقات الاجتماعية مظاهر لعمليات التفاعل الاجتماعي . فعندما يلتقي فردان ويؤثر أحدهما في الآخر ويتأثر به يسمى التغيير الذي يحدث نتيجة لتبادل التأثير والتأثر بالتفاعل، وعندما تتكرر عمليات التأثير والتأثر ويستقران، يطلق على الصلة التي تجمع بين الفردين العلاقات المتبادلة وكلما ازدادت العلاقات الاجتماعية المنتشرة داخل الجماعة ازداد اتصال الأفراد مع بعضهم البعض وزادت ديناميكية التفاعل الاجتماعي ولهذا يدل مجموع العلاقات على مدى التفاعل الاجتماعي فإذا طلب من كل فرد من أفراد الجماعة أن يختار من يشاء من زملائه دون أن يتقيد بعدد في اختياره هذا، أمكننا أن نتعرف بطريقة إحصائية عددية النسبة المئوية للتفاعل الاجتماعي وذلك بقسمة مجموع العلاقات القائمة على النهاية العظمى لتلك العلاقات ثم ضرب الناتج في مائة لتحويل النسبة إلى نسبة مئوية إن هذا يعني إن العمليات الاجتماعية ما هي إلا علاقات اجتماعية في مرحلة التكوين أي إنها تشير إلى الجانب الوظيفي الدينامي، في حين تشير العلاقات الاجتماعية إلى الجانب التركيبي الاستاتيكي.
مستويات التفاعل الاجتماعي
التفاعل بين الأفراد:إن نوع التفاعل القائم بين الأفراد هو أكثر أنواع التفاعل النفسي والاجتماعي شيوعاً، فالتفاعل القائم ما بين الأب والابن، والزوج والزوجة، الرئيس والمرؤوس، وبيئة التفاعل في هذه الحالة الأفراد الذين يأخذون سلوك الآخرين في الحسبان ومن ثم يؤثر عليهم وعلى الآخرين، وفي كل تلك الصلات الاجتماعية نجد إن الشخص جزء من البيئة الاجتماعية للآخرين الذي يستجيب بنفس الطريقة كي يستجيبون له، كل فرد بالآخرين ومن ثم يتفاعل معهم.
التفاعل بين الجماعات :إن التفاعل القائم بين القائد وأتباعه، مثالاً على هذا المدرب ولاعبيه، فالمدرب في مثل هذه الحالة يؤثر في لاعبيه كمجموعة وفي نفس الوقت يتأثر بمدى اهتمامهم وروحهم المعنوية والثقة المتبادلة بينهم، ومن ناحية أخرى نجد إن الشخص المتفاعل مع مجموعة معينة من الأشخاص في مرات متكررة ينجم عنه وجود نوع من المتوقعات السلوكية من جانب الجماعة أي سلوك معين متعارف عليه.
التفاعل بين الأفراد والثقافة: المقصود بالثقافة في هذه الحالة العادات والتقاليد وطرائق التفكير والأفعال والصلات البيئية السائدة بين أفراد المجتمع ويتبع التفاعل بين الفرد والثقافة منطقياً اتصال الفرد بالجماعة إذ إن الثقافة مماثلة إلى حد كبير للتوقعات السلوكية الشائعة لدى الجماعة، وكل فرد ينفعل للمتوقعات الثقافية بطريقته الخاصة، وكل فرد يفسر المظاهر الثقافية حسب ما يراه مناسباً للظروف التي يتعرض لها، فالثقافة جزء هام من البيئة التي يتفاعل معها الفرد، فالغايات والتطلعات والمثل والقيم التي تدخل في شخصية الفرد ما هي إلا مكونات رئيسة للثقافة.
مفهوم الأدب
الأدب لغة هو الظَرْفُ وحُسْن التناول، وسمي الأدب أدباً لأنه يوجه الناس إلى المحامد وينهاهم عن القبائح، وأصل الأدب الدعاء، ومنه قيل للطعام الذي يدعى إليه الناس مدعاة وماْدبة.[5]
ومصطلح الأدب كما يرى ابن القيم يدل على معنى الاجتماع؛ فالأدب اجتماع خصال الخير في العبد، ومنه المأدُبة وهي الطعام الذي يجتمع عليه الناس.[6]
وعرف الجرجاني الأدب بأنه: عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ[7]، وورد عن عبد الله بن المبارك أنه عرّف الأدب بأنه معرفة النفس ورعونتها، وتجنب تلك الرعونة.[8]
ولا بد هنا من التمييز بين الأدب بمفهومه العام، وعلم الأدب بمفهومه الخاص، فعلم الأدب هو “علم إصلاح اللسان والخطاب، وإصابة مواقعه، وتحسين ألفاظه، وصيانته عن الأخطاء والخلل”. فهذا المفهوم كما يقول ابن القيم هو “شعبة من الأدب العام”.
والأدب الذي يعنينا هو الأدب بمفهومه العام والذي أشرنا إليه أولاً، وهو المختص بالجانب الخلقي والسلوكي لا بدلالات اللسان ودلالات الألفاظ في حالاتها الإفرادية والتركيبية.
أدب المعاملة وأثره في حلّ المشكلات الاجتماعية
إن أدب التعامل مع الآخرين وعدم الرد على السفاهة بمثلها، خلق كريم يصفي القلوب، ويزيل منها الضغائن والأحقاد، ويجعلنا نتجاوز الكثير من المشكلات الاجتماعية، فمما لا شك فيه أن القول السيئ وما يتبعه من ردود أفعال قد يُحدث مشاكل ومضاعفات، يكون لها أسوأ النتائج، وهنا يأتي دور مقابلة الإساءة بالإحسان في الإصلاح النفسي والاجتماعي لنفوس الناس وطبائعهم.
[1] عودة، عبد الله: أدب المعاملة وأثره على العلاقات الاجتماعية، جامعة النجاح، نابلس
[2] عبد الشكور، محيي الدين: نحو مدخل إسلامي لتطوير وتنظيم العلاقات الإنسانية، بحث مطبوع ضمن كتاب: الإعلام الإسلامي والعلاقات الإنسانية، والذي يضم أبحاث اللقاء الثالث للندوة العالمية للشباب الإسلامي، المنعقد في الرياض بتاريخ 16 أكتوبر 1976م، ط2، 1405هـ.
[3] مرسي، سيد عبد الحميد: العلاقات الإنسانية، مكتبة وهبة.
[4] أبو العلا، محمد: علم النفس الاجتماعي.
[5] ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب، (بيروت:دار صادر، د.ط، د.ت)، ج1/ الفيرززآبادي، محمد بن يعقوب: القاموس المحيط، (بيروت: دار الفكر، 1403هـ/ 1983م)، ج1.
[6] ابن القيم، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي: مدارج السالكين، تحقيق: محمد حامد الفقي، (بيروت: دار الكتاب العربي، ط2، 1393هـ/1973م)، ج2.
[7] الجرجاني، علي بن محمد بن علي: التعريفات، تحقيق: إبراهيم الابياري، (بيروت: دار الكتاب العربي، ط1، 1405هـ).
[8] الشرباصي، أحمد: موسوعة أخلاق القرآن، (بيروت: دار الرائد العربي، ط1، 1979م)، ج6.