معنى تأثير الهالة
تأثير الهالة (halo effect): هو من أكثر التحيزات أو الإنحرافات الذهنية (cognitive biases) التي تحدث في أدمغتنا بشكل لاواعي، وهو وفقاً لمعجم جوجل الميول لخلق انطباع في منطقة للتأثير على الرأي في منطقة أخرى (1).
بمعنى آخر، عندما نُكوّن إنطباع إيجابي عام عن شخص معين من خلال سمة أو خاصيّة واحدة يتمتع بها هذا الشخص مثل الطول والجمال والأناقة، فإنك تسمح بشكل غير واعي أن تحكم وتقيّم سمات وخصائص الشخص الأخرى مثل الذكاء والنجاح بشكل إيجابي أيضا.
والإنطباع السلبي يعمل بعكس الطريقة ويسمى التأثير في الحالات السلبية بتأثير الهالة العكسي (reverse halo effect) أو تأثير الشيطان (devil effect) أو تأثير القرن (horn effect).
الهالة هي الحلقة فوق رأس الملاك والقرن يكون على رأس الشيطان
في حقيقة الأمر، أثبتت تجربة علمية أن عامة الناس يحكمون على الأشخاص الجذّابين أو طويلي القامة على أنهم يتمتعون بالذكاء والثقة بالنفس والنجاح والقدرات العامة، فهنا صفة الجمال أو الطول أثرت على تقييم الأشخاص في مناطق أخرى مثل الذكاء والثقة بالنفس والنجاح (2). كما كشفت نفس التجربة أن الأشخاص الجذّابين لديهم فرصة أكبر للحصول على معاملة مميزة، ولخصت أن فرصة حصول الأشخاص الذين يتركون انطباعاً إيجابياً على ما يريدونه تزداد. شاهد التجربة في الفيديو التالي :
في عام 1920، نجح العالم النفسي ادوارد ثورنديك (Edward Thorndike) في اكتشاف تأثير الهالة بعد إجرائه تجربة على ضباط الجيش الأمريكي. طلب إدوارد من كل ضابط أن يقيّم كل جندي من جنوده بناءً على صفات معينة مثل الذكاء والبنية والقيادة والشخصية. ووجد إدوارد أن التقييم كان يرتبط طردياً أو عكسياً مع جميع الصفات بشكل غير منطقي بحيث أن الجنود كانوا يحصلون على تقييم إيجابي مرتفع في جميع الصفات أو تقييم سلبي منخفض في جميع الصفات (3).
واستنتج إدوارد أنه بمجرد إعجاب الضابط بجندي معين حصل هذا الجندي على تقييم مرتفع في جميع الصفات والعكس كان صحيحاً بالنسبة للضباط الذين لم يبدو إعجاباً في جنودهم. بمعنى آخر، الجنود الذين خلقوا انطباعاً أنهم محبوبون في نظر ضباطهم، جعلوا ضباطهم يقيمون صفاتهم الأخرى بشكل إيجابي على الرغم أن الباحث طلب بشكل واضح من الضباط أن يقيّموا كل خاصية على حدى.
تطبيقات تأثير الهالة : أمثلة واقعية
من أقرب الأمثلة الواقعية على حدوث تأثير الهالة في إطار مشابه لتجربة عالم النفس (Edward Thorndike) هو تقييم الطلاب لمعلميهم في الجامعات. إن كان إنطباع الطالب العام إيجابي تجاه معلمه، فقد يعمل على إعطاء تقييم مرتفع في جميع المناطق. وإن كان إنطباع الطالب العام سلبي تجاه معلمه، سيعطي الطالب على الأغلب تقييم سيء في جميع المناطق الأخرى بشكل انحيازي. ويميل الطالب إلى إعطاء معلميه الأجمل وأكثر جاذبية على تقييم أفضل عن غيرهم من المعلمين الآخرين الأقل جاذبية وجمال (4). وقد يظهر تأثير الهالة بشكل مماثل في التقييم السنوي للموظفين من قبل مدرائهم ويعد أكثر التحيزات الذهنية شيوعاً في هذا المجال وفقا لبعض الدراسات (5).
ومن أشهر الأمثلة الواقعية على تأثير الهالة عندما انتخب الشعب الأمريكي الرجل الوسيم والفاتن والمحبوب وطويل القامة ذو البنية الجسدية المتناسقة – وارين هاردينج (Warren G. Harding) – في عام 1921 لمجرد إنطباع الناخبين أن هذه الخصائص تليق به كرئيس للبلاد، متجاهلين صفاته السلبية ونقاط ضعفه الأخرى التي تجعل منه مرشح غير مناسب للمنصب (6) (7). هذا الحكم أدى إلى انتخاب ما جاء يُعرف بأسوأ رئيس أمريكي على الإطلاق في رأي كثير من المؤرخين (8). وبات يُعرف هذا الخطأ في الحكم والقرار بخطأ هاردينج (Warren Harding Error).
ومن الأمثلة الواقعية الأخرى على تأثير الهالة هو اختيار مرشح لوظيفة شاغرة. قد ينجح المرشح بخلق انطباع في منطقة معينة مثل الإبتسامة أو الوسامة أو الطول أو المظهر العام أو الثقة بالنفس أو نبرة الصوت الإيجابية والحماسية، وينجح بذلك في التأثير على صاحب العمل في اختياره بسبب إحدى هذه الانطباعات الإيجابية التي تجعل صاحب العمل يقيّم قدرات ومهارات المرشح بشكل إيجابي أو أعلى من غيره دون سبب منطقي.
ونفس التأثير ينطبق على التعرف على شريك الحياة المستقبلي. الرجل أو المرأة قد تترك إنطباع إيجابي عام مما قد يجعل الطرف الآخر يحكم بشكل إيجابي على صفات معينة دون دليل. لكن مع مرور الوقت يكتشف الشخص أنه استعجل وأساء الحكم في بعض الصفات، والسبب في ذلك هو تأثير الهالة.
تأثير الهالة له تطبيقات أيضا في الدعاية والتسويق بحيث يستطيع التأثير في خلق إنطباع للزبائن أن منتج واحد مشهور ومعروف بصفاته الإيجابية والعملية مما يجعلهم يحكمون على باقي المنتجات بشكل إيجابي ويجعلهم يشترونها. وهذا يشرح لماذا تلجأ بعض الشركات لإنفاق جزء كبير من ميزانيتها الدعائية على منتج معين، كما فعلت شركة أبل تماما مع الأي باد (iPod) الذي سبب في إطلاق تأثير الهالة عن طريق رفع مبيعات جميع خطها الإنتاجي (9).
ومن هنا إحرص على أن يكون إنطباع الآخرين الأول عنك إنطباعاً جيداً لأن الإنطباع الأول هو إنطباع دائم بحسب المثل الإنجليزي: first impression is a lasting impression. ونعم إن جمالك وطول قامتك ودفئ صوتك وجميع الصفات الظاهرة عليك ستساعدك في نيل مرادك، ولكن تذكر أن لا تقع أنت تحت تأثير الهالة أو تحت تأثيرها العكسي، خاصةً إن كنت في موقع سلطة أو نفوذ أو في إختيار شريك حياتك.