يمكن تعريف السعادة على أنها الشعور بالاعتدال والشعور بالطمأنينة والسكينة على الصعيد الانفعالي، أما على الصعيد المعرفي أو التأملي، فالسعادة هي ذاك الشعور بالارتياح الناتج عن إشباع الغرائز الأساسية للإنسان والرضا بها، وطمأنينة النفس، وتحقيق الذات، الأمر الذي ينتج عنه استفاضة في مشاعر البهجة واللذة والاستمتاع، وعليه، فإن هناك عامل مشترك بين الناحيتين، وهو: تحقيق الرضا إلى أقصى درجاته، والذي يمكننا الإشارة إليه من خلال جوانب معينة، مثل: العمل، والزواج، والصحة، والقدرات الذاتية، وتحقيق الذات، ويجدر بنا الإشارة إلى نقطة مهمة هنا، هي أن السعادة ليست النقيض للتعاسة، بل هما بعدين مستقلين عن بعضهما استقلالاً تاماً، وإن كان المرء لا يمكن أن يشعر بالسعادة والتعاسة في آن واحد، ذلك أن الأفراد الذين يشعرون بشدة السعادة، هم أنفسهم الذين يشعرون بشدة التعاسة أيضا.[1]
إدراك معنى السعادة
يمكن إدراك معنى السعادة على اعتبار أنها انعكاس لدرجة الرضا عن الحياة، أو بوصفها انعكاساً لمعدلات تكرار حدوث الانفعالات السارة وشدة هذه الانفعالات، وعليه، يمكننا أن نجمل عناصر السعادة في ثلاث، هي:
- الرضا عن الحياة ومجالاتها المختلفة.
- الشعور بالبهجة والاستمتاع.
- الخلاص من العناء بما يتضمنه من قلق واكتئاب.
العلاقات الاجتماعية
أوضحت الكثير من الدراسات الميدانية بهذا الصدد، عن أثر التفاعل الاجتماعي وشبكة العلاقات الاجتماعية التي نعيش فى ظلها، على مدى شعورنا بالسعادة، وذلك لتوافر عنصرين مهمين هما: الدعم الانفعالي، والاهتمامات المشتركة، وقد أشارت دراسة قامت بها جامعة هارفورد الأمريكية على مدى 80 عاماً تتبعت من خلالها 724 شخص، إلى وجود رابط قوي بيت تحقق السعادة والرضا الشامل مع تكوين العلاقات الاجتماعية الايجابية، وهذا ما يجعلنا نستنتج أن تكوين العلاقات الاجتماعية السلبية من خلال الاختلاط بالأشخاص السلبيين أمرٌ يجلب التعاسة، أما بالحديث عن المصادر الأساسية للشعور بالرضا في العلاقات الاجتماعية الايجابية المختلفة، فهي: الزوج أو الزوجة، الوالدين، الأصدقاء، الإخوة، زملاء العمل، الجار، المدراء وأرباب العمل، وغيرهم.
إن الوقوع في الحب، هو المثال الأكثر ايضاحاً على علاقة سعيدة، إذ أن الحب هو أشد العلاقات وأكثرها عمقا، وهو الذي يستثير أشد المشاعر الايجابية، وعلى وجه العموم فالمتزوجون أكثر سعادة من العزاب والأرامل والمطلقين.[2]
فالرضا بالشريك الآخر، يرتبط ارتباطاً قوياً بالشعور بالرضا العام والسعادة، وقد أكدت نتائج دراسات عديدة، إلى كثرة ظهور الاستجابات اللفظية الايجابية لدى المتزوجين، وقلة الاستجابات السلبية، وخصوصا النقد، ويلاحظ أيضاً، كثرة السلوكيات الأكثر استثارة للسعادة كتبادل القبل والهدايا بينهما، والاستعداد للمساعدة العملية، واستمتاع أكثر بالحياة الجنسية، وكثرة الوقت الذي يقضيه الزوجين معا، والاتفاق على المسائل المادية، ورغم أن وجود الأبناء لدى الأزواج يشكل قلقاً بطريقة أو بأخرى، ما يسبب مشاكل زوجية أكثر، وكذلك فان السعادة الزوجية تقل في المنزل بوجود الأطفال خاصة إذا كانوا مراهقين، كما ويقلل وجود الأطفال الصغار من الشعور بالسعادة “خاصة الأطفال الرضع”، وبالرغم من ذلك فإن هناك جوانب ايجابية لوجود الأطفال بالمنزل، مثل توفير الحب والصحبة، وإشاعة الحيوية والمرح والاستمتاع برؤيتهم يكبرون، والإشعار بالرشد والنضج، بيد أن هناك ثمنا غالياً لوجودهم، إنهم يرهقون آبائهم وهم صغار، ويسببون عنتاً انفعالياً عندما يبلغون المراهقة.
أما بالحديث عن العلاقات الاجتماعية الأخرى، فتشير الدراسات بأن الأشخاص الذين لهم عدد أكبر من الأصدقاء والمعارف، أو من يقضون وقتا أطول بين أصدقائهم، يميلون إلى أن يكونوا أكثر سعادة، والصداقة هي مصدر للسعادة، تأتى في الأهمية بعد الزواج والحياة الأسرية، لكنها تسبق العمل، والاستمتاع بأوقات الفراغ، وأول ما يوفره الأصدقاء لبعضهم البعض .. هو التحسن الفوري للحالة المعنوية.
وهم السعادة
“أعتقد أنه على الجميع أن يصبحوا أثرياء ومشاهير، ليفعلوا ما يحلوا لهم ويحلمون به، لا لشيء؛ فقط ليدركوا أن هذه الأمور ليست الجواب” هذا ما قاله الممثل الأمريكي جيم كيري، ولنطرح من خلال مقولته الأسئلة التالية: هل السعادة في تكديس المال؟ وفي جمع الثروات وبناء العقارات والقصور؟ أم أنها تحت هالة أضواء الشهرة وأمام عدسات التصوير؟ هل هذه هي السعادة؟
إن كثيراً من الناس يتوهم ذلك، فهذا سعيد لأنه يملك الأرصدة في البنوك، آخر سعيد لأنه يملك كذا من الأراضي، وكذا من الأملاك، فلان سعيد لأنه يملك كذا وكذا، كثير من الناس يطلق هذا الوهم بلسانه، وكثير منهم يعتقده بقلبه، فيتصرف من هذا المنطلق الخاطئ، أقول: ليست السعادة في جمع المال، والخلاصة أن ليـس كـل صاحـب مـالٍ سعيـدًا، فكثير من أرباب المال وأصحاب الثروات يعيشون في شقاء وتعاسة دائمة في حياتهم، لماذا؟ لأنهم يفقدون شغف حياتهم ويبذلون الجهد في جمع المال، وحفظه واستثماره، الأمر الذي يسبب لهمالقلق والخوف من فوات هذا المال وزواله. [3]
كما وأن السعادة ليست في المناصب العالية المرموقة أو النفوذ أو السلطة، لأن المسؤولية تثبط من تحقيق الرضا الشامل عن الآداء والمقتدرات، ما ينتج عنه زيادةً في التفكير في الوضع القائم وهمومه، وإن لم يقم صاحب المنصب بحقه فهي حسرة وندامة عليه، فصاحب المنصب والسلطان لا يفارقه الهم خوفا من زواله، تجده يشقى للمحافظة عليه، وإذا زال منصبه عاش بقية عمره تعيساً، ناهيك عن أن المنصب قد يكون سبباً في هلاك صاحبه، ولذلك يعيش في خوف وقلق دائمين، الأمر الذي يتناقض مع الشعور بالرضا الشامل وتحقيق السعادة.
[1] مارتن سليجمان، السعادة الحقيقية، مكتبة جرير، الرياض، ص13-16.
[2] ستيفانو اجابيو، البحث عن السعادة، مكتبة جرير، الرياض، ص27.
[3] ابو عبد العزيز منير، إلى الباحثين عن السعادة، دار الفرقان للنشر، الجزائر، ص18.