يمكننا إرجاع الليبرالية على أنها أحدى المذاهب التي تنادي بالحرية الكاملة في مختلف مجالات الحياة، بحيث ترفض الليبرالية أية قيود حكمية في أي دين، والليبرالية وعلى اعتبارها مذهباً من المذاهب السياسية والاجتماعية، فهي تعدّ نمطاً فكرياً عاماً، ومنظومة متشابكة من المعتقدات والقيم، تشكلت عبر قرون عدة كانت بدايتها في القرن السابع عشر، وقد ساهم عدد كبير من المفكرين في صياغة الفلسفة الليبرالية كان من أبرزهم: الفيلسوف والمفكر السياسي الإنجليزي جون لوك، والمفكر الأمريكي آدم سميث عراب الرأسمالية ومؤسسها، والمصلح القانوني الإنجليزي جيرمي بنثام، وجون ستيوارت مل، وجان فرانسوا فولتير، وجان جاك روسو، وأليكسيس دي توكفيل، وغيرهم.[1]
ويرى المفكرون أن فكرة الأساسية التي قامت عليها الليبرالية كانت فكرةً اقتصاديةً بحتة وهي حرية السوق الاقتصادية، بمعنى عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، أو أن يكون تدخلاً محدوداً وعلى أضيق نطاق، وعليه فإن واجبات الدولة محدودة ويجب أن لا تتجاوزها، ويمكننا الإشارة هنا بأن هذا الموقف الذي اتخذته الليبرالية الكلاسيكية في سياق تدخل الدولة في شؤون النشاط الاقتصادي، لكن سرعان ما أخذت المجريات الاقتصادية تتغير وتضع هذا الموقف تحت ضغط واقعها وتجاربها المريرة مثل أزمة الكساد الكبير في عشرينيات القرن الماضي، ما أدى لإحداث تغيرات هامة في الفكر الليبرالي نتج عنه ما يسمى بالليبرالية الجديدة “ليبرالية المساواة” والتي سمحت للدولة بتدخل أكبر في الحياة الاقتصادية، لضمان درجة معقولة من العدالة الاجتماعية.[2]
نشأة الليبرالية
يرى حملة الفكر الليبرالي بأن الطبيعة تحترم الحرية، فمن الطبيعي أن يتمتع الإنسان بحريته الكاملة في النشاط الاقتصادي، وفقاً لما يسمي بالمذهب الطبيعي؛ فسعادة البشر وفق هذا المذهب تتحقق من خلال سعي كل فرد لتحقيق مصلحته الذاتية، وتم التعبير عن هذا المضمون بشعار “دعه يعمل، دعه يمر”، وقد نظر آدم سميث بوضوح لهذه الفكرة في كتابه “ثروة الأمم”.
تعود جذور الليبرالية إلى أفكار جون لوك، الذي يؤكد على فكرة “القانون الطبيعي”، ووفقاً لهذه الفكرة فإن للأفراد بحكم كونهم بشراً حقوقاً طبيعية غير قابلة للتصرف فيها، كحرية الفكر وحرية التعبير، والاجتماع، والملكية.[3]
وقد شكلت هذه الفكرة إلهاماً للثورات الكبرى في القرنين السابع عشر والثامن عشر، كالثورة الإنجليزية عام 1688م، والثورة الأمريكية عام 1773م، والثورة الفرنسية عام 1789م، وما نتج عنها من نظم سياسية ليبرالية تبلورت معالمها في القرن التاسع عشر بوضوح أكبر.
كما وتعد أفكار المدرسة النفعية، وعلى وجه الخصوص أفكار جيرمي بنتام مصدرًا رئيسًا للفكر الليبرالي، وقد عبر عنها بوضوح في كتابه “نبذة عن الحكم” الصادر، والفكرة النفعية ترسي قواعد القانون والدولة والحرية على أساس نفعي؛ فالحياة يسودها سيدان، هما الألم واللذة؛ فهما وحدهما اللذان يحددان ما يتعين فعله أو عدم فعله، فليترك الفرد حراً في تقرير مصلحته بداع من أنانيته، وسعياً وراء اللذة، واجتناباً للألم، والمحصلة هي حياة اجتماعية أكثر سعادة، وفقاً لمبدأ “أعظم سعادة لأكبر عدد”، كمبدأ أخلاقي جديد للتمييز بين الخير والشر.
القيم الليبرالية
- الحرية: تؤمن الليبرالية بجملة قيم أسياسية، وتأتي الحرية في مقدمتها، لدرجة أنها اكتسبت اسمها من هذه القيمة، وحتى أن البعض يرى أن الموقف الليبرالي هو التعبير الطبيعي عن الإيمان بالحرية؛ فالهدف الأساس للمذهب الليبرالي هو ضمان الحرية أو التحرر، وغياب القيود والموانع المعيقة لحركة الإنسان ونشاطه، على أساس أنها تتعلق بممارسة الإنسان لحقوقه الطبيعية.[4]
- الفردية: آمن المذهب الليبرالي بقيمة هامة وأساسية بالنسبة لبنائه الفكري، وهي الفردية، فالفرد من منظورها العام هو الأساس، وواجب الدولة والمجتمع حماية استقلاله، وتسهيل سعيه لتحقيق ذاته، وإتاحة المجال أمامه للاختيار الحر.[5]
- الملكية: أعلت الليبرالية كثيراً من قيمة الملكية كأحد الحقوق الطبيعية للفرد، يتوجب صونها من كل تعدٍ أو جور، وتحدثت الليبرالية عن المساواة بأشكالها السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، وفي الحراك الاجتماعي.
بين الليبرالية والديمقراطية
أما فيما يتعلق بالصلة بين الليبرالية والديمقراطية، فإنه يمكن القول بأن الليبرالية تمثل الفلسفة الاجتماعية أو منهج التفكير أو النسق الفكري العام، في حين أن الديمقراطية أنسب ما تكون لوصف نظام الحكم أو طريقة ممارسة السلطة السياسية، وقد بدأت الليبرالية أرستقراطية، من ثم أصبحت ذات صيغة شعبية بفعل كفاح الشعوب تعترف للجميع بالحقوق نفسها.[6]
المراجع
[1] محمد ربيع، الفكر السياسي الغربي، فلسفاته ومناهجه من أفلاطون إلى ماركس، جامعة الكويت، 1994، ص 399.
[2] قاموس الفكر السياسي، د. أنطون حمصي، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، دمشق، 1994، ج2، ص178.
[3] سامي خشبة، مصطلحات فكرية، المكتبة الأكاديمية، القاهرة، 1994، ص 131.
[4] ثيودور ما يرغرين، الليبرالية واالموقف الليبرالي، ترجمة فوزي قبلاوي، المؤسسة الشرقية للترجمة والنشر،القاهرة، د. ت، ص 36.
[5] بدر الدين، مفهوم الديمقراطية الليبرالية، ص197–198.
[6] جون مل، أسس الليبرالية السياسية، ترجمة أ.د ميشيل متياس و أ.د إمام إمام، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1996، ص8.