الاشتراكية هي مجموعة متكاملة من الأفكار والمناهج والوسائل السياسية والاجتماعية والتي تشترك بغض النظر عن الاختلاف في التفاصيل في رفض المجتمع الاستغلالي، وضرورة إقامة مجتمع أكثر كفاية وعدلا وتحقيق المساواة بين جميع الأفراد والإخاء بين الأمم أيضا، وان هذا لا يتحقق إلا بالتقدم الحتمي للمجتمعات.
نشأة وتطور الاشتراكية
إن الاشتراكية تعارض مبدأ الرأسمالية، والذي يقوم على الملكية الفردية، ويقر التفاوت الطبقي، فهي بذلك ليست وليدة الرأسمالية، لأنها فعلياً وجدت قبل الرأسمالية، فقد نادي بها أفلاطون وتحدث عنها الفارابي، وتلاقت مع دعوات الأديان إلى العدل الاجتماعي، غير أنه وفي القرن التاسع عشر كثر اللذين يتحدثون عن الاشتراكية، ولذلك تعتبر الاشتراكية وليدة الثورة الصناعية، أي برزت أكثر نتاجاً للثورة الصناعية .
فظاهرة الاعتناء بالصناعة وتطويرها على حساب الزراعة تعني انتقال النفوذ السياسي من يد ملاك الأرض إلى البرجوازيين الذي احتكروا الصناعة والتجارة، كما أن هذا التحول كان في بداية الصراع الطويل بين المدن والأرياف حيث اشتد التنافس بين أصحاب الأرض وأصحاب المصانع على العمال، ففي الوقت الذي كان فيه ملاك الأراضي يحرصون على الاستفادة من اليد العالمة المسخرة لخدمة أراضيهم بأبخس الأثمان، أصبح رجال الصناعة محط انظر العمال، لأن العمل في القطاع الصناعي يجلب المال والحصول على وظائف دائمة، هذا ما أدى إلى موجة كبيرة من زحف الأفراد من الأرياف إلى المدن، حيث أصبح كل عامل يفكر في العثور على أية وظيفة كانت وبأي أجر يومي يدفعه له صاحب المصنع.
ومعنى هذا أن أصحاب الصناعة هم اللذين يتحكمون في مصير العمال ويستغلونهم إلى أبعد الحدود، ونتيجة لكثرة العمال النازحين وقع احتكاك بين الطبقة البرجوازية التي تتلهف إلى جمع الثروات، وبين جيوش العمال الطامحين لتحسين وضعيتهم المادية ولكنهم وجدوا أنفسهم يعيشون في بؤس ومجاعة، ومما زاد مآساتهم أن التقدم الصناعي قضى على المهن التقليدية ولم يكن في إمكانهم العودة إلى الزراعة التي عوضت الآلات مكان الأفراد نتيجة التطور في الميدان التكنولوجي، ونتيجة لهذا ازدادت الطبقة البرجوازية ثراءا، بينما ازدادت طبقة العمال الفقيرة فقراً، وما زاد الطين بلة هو تقاعس الحكومات الأوروبية واتخاذها موقف اللامبالاة تجاه العمال اللذين ساءت وضعيتهم المادية والمعنوية، بمعنى أن الدولة في حد ذاتها ساهمت في هذا الوضع نتيجة مساندتها لرجال الصناعة وملاك الأراضي.
خصائص الاشتراكية
- الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج.
- أن تدار وسائل الإنتاج بواسطة المجتمع والدولة نائبة عنه.
- إشباع الحاجلات الاجتماعية، وهي الهدف الذي يترتب عن الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج حيث تسعى إلى إشباع الحاجات المادية والمعنوية للمجتمع، وهنا يظهر دور الدولة في العمل على ضمان هذا الإشباع .
- التخطيط المركزي: حطة توضع بصفة دورية، ليتم الإنتاج وفقا للموارد القومية ووفقا لحاجات الشعب، فلا تحدث حاجة، ولا يبقى فائض يسبب الأزمات الاقتصادية.
- توزيع الناتج الإجمالي على أسس من العدل والمساواة، ويراعى التوزيع هنا طبقا للقاعدة الاشتراكية، الكل حسب عمله الكل حسب حاجته.
- إحلال التعاون محل الصراع الطبقة يقوم على التعاون كقاعدة للعلاقات التي تنشأ بين الأفراد في العمليات الإنتاجية واستخدام وسائل الإنتاج الجماعية.
أنواع الاشتراكية
للاشتراكية أنواع والتي يمكن حصرها في مايلي:
الاشتراكية المثالية (الخيالية)
اتسمت أفكارها بالوصف والتخيل، وافتقرت في معظمها إلى التحليل والتفسير العلميين وإيجاد الوسائل الكفيلة بتخليص المجتمعات من المشاكل التي يعيشها أفرادها، حيث كانت معظم الكتابات في هذه المرحلة التي سبقت الثورة الصناعية تمثل أحاسيس المفكرين بالآلام التي يشعرون بها من جراء ما يرونه من تعاسة وفقر في أوساط الطبقات الاجتماعية الفقيرة، كما تمثل رغبتهم في الوصول إلى القضاء على المظالم التي يعاني منها هؤلاء الفقراء، ومع ذلك فإنها لم تصل إلى مستوى تكوين نظرية أو مذهب اشتراكي قائم على أسس ومعطيات علمية واضحة، وأبسط مثال على ذلك عجزها عن فهم وتفسير نشوء ظاهرة الفوارق الطبقية في المجتمع الواحد، ومن ابرز ممثليها:
– توماس مور: سياسي ومؤلف إنجليزي، من أشهر مؤلفاته كتاب جزيرة يوطوبيا أو جزيرة الخيار عام 1516م، والذي جاء في شكل حوار مع رحالة برتغالي أطلق عليه اسم روفائيل، كان قد مر على هذه الجزيرة التي يطبق فيها النظام الشيوعي بصفة جيدة، يسود فيها العدل والمساواة، بحيث كانت الدولة تتولى عمليات إنتاج وتوزيع السلع .
– توماسو كامبانلا: فيلسوف إيطالي، من أهم مؤلفاته كتاب مدينة الشمس عام 1620م ، كان على شاكلة كتاب توماس مور، بوصفه مدينة مثالية تقوم على الملكية الجماعية والحياة المشتركة.
الاشتراكية التشاركية
ظهرت مع بداية القرن التاسع عشر في فرنسا وبريطانيا، وذلك بسبب الثورة الصناعية، حيث اشتد الصراع بين العمال ورؤسائهم، لمطالبة العمال بزيادة أجورهم وتحسين مستوى معيشتهم، ومن هنا جاء ميلاد الاشتراكية التعاونية التي تفضي بضرورة التعاون بين العمال ورؤساء العمل بمحض إرادتهم، لذلك اقترح مجموعة من المفكرين إنشاء تعاونيات قائمة على أساس المشاركة الحرة والإرادة الطوعية للأفراد، حيث تشكلت الجمعيات كقاعدة لهذا النظام اعتقاداً بأن ذلك سيقضي على المنافسة الشديدة وسيطرة الأقوياء على الضعفاء، وهكذا يحل التعاون محل التنافس، هذه الاشتراكية لا تدعو إلى تدخل الدولة وإنما التعاونيات هي من تتولى توزيع الإنتاج والتنظيم.
- من أهم روادها: شارل فورييه في فرنسا، وروبرت اوين في انجلترا .
الاشتراكية الديمقراطية
والتي تقر بإتباع الطرق السلمية والتدريجية للتحول نحو القيم الاشتراكية، حيث تؤمن بأن الانتقال إلى الاشتراكية يتم عن طريق الديمقراطية، أي عن طريق توعية الجماهير بالفكر الاشتراكي، ويتسنى للحركة الاشتراكية أن تسهم في إدارة دفة الحكم عن طريق الانتخابات البرلمانية، وأن تكون فاعلة في إصدار التشريعات الإصلاحية التي تؤدي إلى إحداث التغيير المرتقب في هيكل الاقتصاد وفي التركيب الطبقي.
وبالتالي فالدولة ضرورية وأن التحول الاشتراكي لا يحدث دفعة واحدة كما في حال الثورة بل إنه يتم تدريجياً عن طريق تراكم الإصلاحات الاجتماعية.
- من أهم روادها: برنشتاين في ألمانيا، ملليران في فرنسا، ورجال الجمعية الفابية في انجلترا .
الاشتراكية العلمية (الماركسية)
تأسس هذا النوع من الاشتراكية على يد الإقتصادي الألماني كارل ماركس، ومنه أخذت اسمها وإليه تنسب، ماركس الذي بحث في موضوع الاشتراكية على أسس علمية منطقية تميزه على سابقيه ومعاصريه ممن تعرضوا لهذا الموضوع.
المراجع
- نور الدين حاطوم، تاريخ الحركات القومية الأوروبية، دار الفكر، 1982م.
- اكسل هونيت، فكرة الاشتراكية، ترجمة جورج كنورة، المكتبة الشرقية، د.ت.
- جوزيف شومبيثر، الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية، ترجمة حيدر اسماعيل، مركز دراسات الوحدة العربية.
- خالد محيي الدين، الدين والاشتراكية، كراسات الثقافة الجديدة