مفهوم الديمقراطية
يرجع الأصل اللغوي لكلمة ديمقراطية إلى اللغة اللاتينية “ديمسكراتوس”، وهي كلمة مركبة من ديموس وتعني الشعب، وكراتوس وتعني السلطة، ومعناها أن الشعب يتولى حكم نفسه بنفسه، وهو مصدر السلطات، ولكن لما كان من الصعب أن يمارس الشعب الحكم بنفسه مباشرة، فإنه تنازل عن جزء من سلطته لممثلين له يختارهم عن طريق الانتخاب والاقتراع العام والسري لفترات زمنية محددة مسبقا، ويتولون خلالها مزاولة الحكم وفقا لأحكام الدستور على أن يقوم الشعب بمراقبتهم بعد اختيارهم وأثناء ممارستهم الحكم.[1]
والديمقراطية اصطلاحاً هي طريقة للحياة وأسلوب الحكم الذي يقوم على أساس قيام السلطة على إرادة الشعب، وممارسة الشعب حريته، وحقه في اختيار السلطة التي تحكمه، بطريقة التي يراها مناسبة له، ويضمن من خلالها حقوقه الأساسية السياسية والاجتماعية في المساواة وحرية التعبير والتنظيم والعمل والمشاركة في صياغة الحياة السياسية والاجتماعية، كما عرفت الديمقراطية على أنها شكل من أشكال الحكم السياسي القائم بالإجمال علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة وحماية حقوق الأقليّات والأفراد.
وعرفت بأنها نظام اجتماعي يؤكد قيمة الفرد وكرامته الشخصية الانسانية على أساس مشاركة أعضاء الجماعة في إدارة شؤونها، ويراها البعض بأنها مفهوم يعد الشعب مصدر السلطة تتقرر له جميع الحقوق على أسس ليبرالية منها الحرية والمساواة، إذ لا تمييز بين الأفراد بسبب الأصل أو الجنس أو الدين أو اللغة، وعرفها آخرون بأنها تعميم للحضارات الراهنة بكل قيمها المادية والمعنوية على جميع الأفراد.
مقومات الديمقراطية والمجتمع الديمقراطي
التعديدية السياسية
ويقصد بها وجود مجال اجتماعي وفكري يمارس الناس فيه “الحرب” بواسطة السياسة، أي بواسطة الحوار والنقد والاعتراض والأخذ والعطاء، وبالتالي التعايش في إطار من السلم القائم على الحلول الوسطى المتنامية، والتعددية هي وجود صوت أو أصوات أخرى مخالفة لصوت الحاكم، وهي تعدد القوى والآراء السياسية وحقها في التعايش والتعبير عن نفسها والمشاركة في التأثير على القرار السياسي في مجتمعها، وتعني التعددية أيضا الإقرار بوجود التنوع، وأن هذا التنوع يترتب عليه اختلاف المصالح والاهتمامات والأولويات.
وتعرف كذلك على أنها مشروعية تعدد القوى والآراء السياسية وحقها في التعايش والتعبير عن نفسها والمشاركة في التأثير على القرار السياسي في مجتمعها، ولا معنى للتعددية السياسية إلا إذا كانت الآليات المعتمدة في تسيير المجتمع كلّه وكذلك مختلف المؤسسات والتنظيمات تتيح للأتجاه السياسي الذي يحظى بتأييد الأغلبية أن يتولى السلطة لتنفيذ البرنامج الذي يدعو إليه، والعمل السياسي في المجتمعات المتحضرة يقوم على آلية الأحزاب السياسية بوصفها آلية مدنية تضمن التداول السلمي للسلطة وتبادل الأفكار والحوار، كما إن الآلية الحزبية تضمن للمجتمع وسائل وأساليب حديثة تدفعه إلى العمل الجماعي الذي يمكّنه من التطور بعيداً عن الآليات والأساليب التقليدية والمعيقة لتطور الدولة والمجتمع بوصفها آليات بدائية لمجتمعات ما قبل الدولة الحديثة القائمة على مفهوم المواطنة والعيش المشترك الذي يوفق بين المصالح العامة والمصالح الخاصة، على أسس قانونية موضوعية تضمن تنفيذها مجموعة من المؤسسات العصرية.[2]
التداول السلمي للسلطة
المقصود بالتداول السلمي على السلطة هو التعاقب الدوري للحكام على سدة الحكم تحت صيغ الانتخابات، حيث يمارس هؤلاء الحكام المنتخبون اختصاصاتهم الدستورية لفترات محددة سلفاً، وبذلك فإن اسم الدولة لا يتغير ولا يتبدل دستورها ولا تزول شخصيتها الإعتبارية نتيجة تغير الحاكم أو الأحزاب الحاكمة، وعليه، فإن السلطة هي اختصاص يتم ممارسته من قبل الحاكم بتفويض من الناخبين وفق أحكام الدستور، وليست السلطة حقاً يتوجه الحاكم لغيره أو يورثه لمن بعده، وإنما يتم تداول السلطة وفق أحكام الدستور، ويقتضي التداول على السلطة وجود تعددية سياسية مؤسسة على قيم الحوار، والتنافس، والاعتراف المتبادل، فالتداول من حيث كونه انتقالاً للسلطة من طرف إلى آخر،فإنه لا يتحقق ويعطي مفعوله دون وجود قدر من التنافس الذي يجعل التناوب بين الأغلبية والمعارضة ممكنا على صعيد الممارسة.[3]
انتخابات حرة ونزيهة
ومعنى ذلك أن تكون هناك انتخابات دورية وبحسب ما ينص عليه الدستور، ويتم من خلالها اختيار المجلس النيابي “البرلمان” ورئيس الدولة، ولا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية من دون وجود انتخابات دورية حرة ونزيهة تتيح المشاركة الحرة فيها لجميع مواطنيها، بحيث ينبغي أن تكون منافسة حقيقية على الفوز بتأييد الشعب.
وهذه ميزة من ميزات الديمقراطية بوصفها آلية من آليات توفير الشرعية لتداول السلطة سلمياً بعيداً عن العنف بمختلف أشكاله وأصنافه، لأنها تجعل من الشعب يحكم بين الأتجاهات السياسية المتعددة بحيث يصدر المواطن حكمه، من خلال إطلاعه على الأختلافات والتباينات في الرؤى بين الاتجاهات المتباينة بطبعها، وتفضيلها لاتجاه على حساب آخر في أقتراع دوري عبر صناديق الأنتخاب، وهذه الآليات التي توفرها الممارسة الديمقراطية تضمن استمرار واستقرار الوضع السياسي، بأعتبار المشاركة في الانتخابات ترشيحاً واقتراعاً تعطي المواطن والقوى السياسية وسيلة للمشاركة المباشرة في الشأن العام، ومحاسبة المسؤولين على آدائهم إيجاباً أو سلباً، وخاصة إذا أخفقوا أو فشلوا في تنفيذ مشاريع التنمية التي طرحوها للإنجاز أو التي رفعوا شعاراتها.
احترام حقوق الإنسان
يعد احترام حقوق الإنسان لهو اللبنة الأولى في البناء الديمقراطي، فبدون إحترام كامل للحقوق الجوهرية للإنسان لا يمكن الحديث عن الديمقراطية، ولقد كثر الحديث في العقود الأخيرة عن هذه الحقوق على الرغم من تباين المواقف منها، فالديمقراطية لا تقتصر على الحرية السلبية “بمعنى الحماية من تعسف السلطة” مثلما أنها لا تقتصر على المواطنة الفعلـية، وعليه، فإن الديمقراطية هي التي تضمن للمواطن حقه في التعبير عن الرأي، وحقه في التجمع والإنتماء إلى التيار أو التنظيم الذي يرغب في الأنضمام إليه، كما أن حرية الرأي والتعبير لا تكتمل إلا بحرية الانتخاب، وللمواطن حقوق أساسية كثيرة يضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يجب توافرها مهما كانت الخصوصيات الثقافية والحضارية، وأن طبيعة المجتمع ودرجة رقيه إنما تقاس بنسبة إنسانية هذا المجتمع ، أي بنسبة ما يكون الإنسان حاصلاً على حقوقه.
الوجود الفاعل لمؤسسات المجتمع المدني
إن الحديث عن مجتمع مدني ناشط وفعال هو في حقيقته حديث عن الديمقراطية، لأنه لا يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية وفعلية دون الحديث عن وجود مؤسسات مجتمع مدني قوية ومؤثرة، ذلك أن وجود المجتمع المدني القوي والفعّال يعتبر دليلاً على صحة الديمقراطية في ذلك البلد، حيث أصبح تقدم الدول والمجتمعات اليوم يقاس بمدى فاعلية هذه المؤسسات والأدوار التي تقوم بها، بأعتبارها وسيطاً مقبولاً بين الشعب ومختلف شرائحه والدولة بمؤسساتها المتعددة، والمقصود بالمجتمع المدني هو المدني كل التنظيمات غير الحكومية التي تملأ المجال العام أو الفضاء الممتد بين الفرد والدولة على المستوى الوطني أو بين الأفراد ضمن مجتمعاتهم الوطنية والحكومات على المستوى الخارجي، وتنشأ بالإرادة الحرة لأصحابها من أجل قضية أو مصلحة معنية، أو للتعبير عن مشاعر وتطلعات أفرادها، أو لأتخاذ مواقف وسياسات جماعية، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الإحترام والتراضي الجمعي المتبادل والتسامح والإرادة الحرة للتنوع والاختلاف.
ضمان حقوق للأقلية
يرى المفكرون السياسيون أنه لا يمكن للمجتمع أن يصبح ديمقراطياً دون أن تضمن الأكثرية للأقلية كافة حقوقها، ولا يعني حكم الأكثرية هدر حقوق الأقلية، بل يفترض أن تحافظ الأكثرية على كافة الحقوق التي تضمن للأقلية حريتها في العمل، ومن المفترض ألا تقوم الأكثرية بأي عمل من شأنه الأضرار بمصالح الأقلية أو حقوقها، وعليها أن تضمن للأقلية حرية الكلام والتعبير، وحرية المعارضة، وحرية تقديم الشكاوي والمظالم للحكومة، وهذه ضرورة أساسية لمعرفة رأي الأقلية في القرارات الصادرة عن الأكثرية .[4]
المراجع
[1] تشارلز تيللي، الديمقراطية، ترجمة محمد طباخ، المنظمة العربية للترجمة.
[2] علاء شلبي، الديمقراطية والانتخابات في الوطن العربي، المنظمة العربية لحقوق الانسان.
[3] جوزيف شومبيثر، الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية، ترجمة حيدر اسماعيل، مركز دراسات الوحدة العربية.
[4] جين شارب، من الدكاتورية إلى الديمقراطية، مؤسسة البرت انشتاين.