وهم الخيار (Illusion of choice) هو مفهوم نفسي يستخدمه الاشخاص المدركين له ضد خصومهم وحلفائهم لكي يتلاعبون ويأثرون عليهم ويحصلون على ما يريدونه منهم. الشخص المستهدف قد يكون موظفك او صديقك او حليفك او غريمك او زوجتك او موردك او اطفالك او حتى الشرطي الذي يريد مخالفتك او اي شخص تريد ان تأثير على قراراته لقلب الموازين لصاحلك خلال المفاوضات او المقابلات الهامة وغيرها من المواقف الجتماعية الأخرى.
ان اردت ان تجعل شخص يعمل لك شيئ وهو راضٍ عنه لا تامره بشكل مباشر ان يفعل الشئ الذي تود منه فعله بل اعطه خيار. يعني لا تعطي امر او تجبر احد على ان يقوم بعمل ما ولا تشعره بانه عبد مامور. دعه يوهم ان لديه خيار بين شيئين وعلى الاغلب سوف يصغيي ويعمل هذا الشيئ الذي اختاره بنفسه. لكن في الحقيقة تم التلاعب على هذا الشخص عن طريق الاعتقاد انه يملك بالفعل حق الخيار.
جرب هذه الخدعة على اطفالك مثلا لكن اختر خيارات توجه الطفل على اختيار ما تريده انت ان يختاره. على سبيل المثال، يجب ان نقوم باعمال المنزل. هل تود تنظيف غرفتك ام تجلي الصحون؟ على الاغلب سوف يعتقد الاولاد انهم يملكون خيار وهذا سوف يجعلهم يتعاونون ويصغون وينهون مهمتهم، فهم لا يدركون ان النتيجة واحدة في نهاية المطاف وهي القيام باعمال المنزل بغض النظر عن الخيار لكن بسبب الاختيارات التي وضعتها اثرت على قرار الشخص في الاختيار – خيار في صالحك.
او في حال ارادت ان ينام طفلك على الساعه التاسعه جرب ان تقول له مسبقا هل تود النوم على الساعه الثامنه ام التاسعه سيختار التاسعه وهو ما تريد لكن برايك الشخصي هل من الممكن ان ينام دون جدالك عندما تقول له اخلد للنوم في الساعه التاسعه ؟! بالطبع لا، لانه في هذه اللحظه يشعر الطفل بتسلطك واجبارك له على النوم.
تستطيع ان تجرب هذه الخدعة على موظفينك ايضا لتحفيزهم لاجل انهاء مهمة ما دون مقاومة او شعور بالتضمر او الاستياء. هل تريد كتابة التقرير ام الرد على العميل الفلاني؟ هنا ضع خيار اصعب من الخيار التي تود موظفك ان ينجزه حتى تأثر على خياره في الاتجاه الذي تريده ان كان احد الخيارات يهمك اكثر من الاخر.
و لا ننسى التأثير على الزوج هنا، هل تريد الذهاب للتسوق ام الاعتناء بالاطفال ؟ بالنسبة لي وربما الكثيرون من الاباء التسوق ارحم لذا الخيارات المتاحه توجهني نحو اختيار التسوق. اليس هذا ما تريدين من زوجك ان يفعله في الاساس ؟
وهم الخيار له تطبيقات اكبر من ذلك على مستوى الدولة. خذ على سبيل المثال الولايات المتحدة الامريكية التي يحتوي نظامها السياسي على حزبين سياسيين فقط، الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي. ولتلخيص دور وهم الخيار في الانتخابات الامريكية اقتبس مقولة الكاتب والممثل الأمريكي جورج كارلين حيث قال ” يتم وضع الانتخابات والسياسيين من أجل إعطاء الأمريكيين حرية الوهم في الاختيار. الامريكيون لا يمتلكون خيار في هذه البلد.”
سواء صوت للدمقراطيين او الجمهوريين النتيجة واحدة : السياسات العليا لن تتغير. سواء شريت ببسي او كولا النتيجة لا تتغير – مشروب غازي. سواء اكلت برجر كنج او مكدونالدز فالنتجية واحدة لا تتغير- اكل البرجر. خذ مثال آخر على الشركات العظمى مثل نسلي (Nestle) التي تمتلك عدة اسماء تجارية في شتى المجالات مثل صناعة الشوكلاته : Lion ، Kitkat ، Crunch ، OhHenry ، Aero وغيرها الكثير. هذا كله حتى توهم نسلي زبائنهم بأنهم يملكون حق الخيار. لكن النتجية واحدة في نهاية المطاف، المرابح تصب في شركة Nestle.
في بعض الحالات نستخدم هذا الاسلوب بشكل عفوي دون ادراكه او التخطيط لاستخدامه ومن هذه الحالات المعروفه عند زياره احد اصدقائنا يسألنا بشكل عفوي تشرب شاي ولا قهوه. هنا لن نفكر في ان نقول اريد العصير مثلا فهو حصر تفكيرنا في القهوه والشاي دون ادراكه لاستعمال وهم الخيار.
في كندا اوقفتني الشرطة 7 مرات على مدار 10 سنوات بسبب ارتكاب مخالفات عديدة. من مجمل هذه المخالفات حصلت فقط على مخالفة واحدة. والسبب في تقليص حجم المخالفات يعود الى استخدام سلاح وهم الخيار ضد الشرطة الذي تعلمته من كتاب حركات الالاعيب في المفواضات : اساليب التلاعب الذكية والمقبولة التي تستطيع ممارستها لتقلب المفواضات لصالحك ، للكاتب اساف شاني (Asaf Shani).
السؤال الان كيف اطبق نفس المبدا على شرطي المرور ؟ كيف توهم الشرطي ان لديه خيارات و كيف توجه اختيار الشرطي نحو الخيار الذي يصب في صالحك بشكل لا يوعى له في عقله الباطني ؟
وفقا لاساف شاني : لكي تعمل هذه الخدعة، يجب اولا ان تعترف بخطائك. بمعنى اخر لا تجادل الشرطي او تعطيه اعذار لارتكابك المخالفة. وكن هادئا ومحترما معه ولا تحسسه انك منزعج بسبب ايقافه لك. الشرطي بالعادة سوف يوجه لك هذا السؤال: اتعلم لماذا اوقفتك ؟ او لماذا قمت بارتكاب المخلافة الفلانية ؟ بعد ان توافق راي الشرطي وتأكد له انها مخالفتك الاولى تقول له : “سوف احترم اي قرار تتخذه ” ، فمربط الفرس في هذه الجملة. اذا تقول: انا مخطئ. هذه اول مرة ارتكب هذه المخالفة وسوف احترم اي قرار تتخذه.
يكمل اساف شاني قائلا : بالطبع ليس لديك خيار سوا ان تحترم قرار او خيار الشرطي لانه يمثل القانون والشرطي بالطبع يمتلك القوة والسلطة والخيار والحق بان يخالفك او لا، وانت تعلم ذلك وهو يعلم ذلك. هذه الحقائق لا تلعب دورا في التلاعب بل كيف تجعل الطرف الاخر ينظر الى الموقف. عندما تم عرض على الشرطي حق الاختيار بين مخالفتك او تركك هذه المرة، هكذا تترك للشرطي شعورا بالليونة في اتخاذ القرار والادراك للخيارات المتاحة علما انك دفعته الى اختيار القرار الذي يصب في صالحك لانك اشرت بشكل غير واضح ” هذه اول مرة ارتكب هذه المخالفة“
هذا كله يحدث في العقل الباطني ولا يوعى الشخص انك فعّلت هذه الخاصية الوهمية في ذهنه التي جعلت عقله الباطني يقرر اولا وليس وعيه في لحظة القرار، فهنالك ادلة متصاعدة تشير إلى أن “معظم أو كل ما نقوم به قد تم تعيينه دون وعي قبل حدوث أي تجربة واعية في الاختيار.” وبناءً على هذا العلم وتجربتي وتجربة الكاتب اساف شاني الشخصية ، فيجب ان يعمل معك الخيار الوهمي مع اي شرطي اذا اتقنت اللعبة.
بالطبع سوف يعتمد نجاح هذه الخدعة على وعي الشرطي لمفهوم وهم الخيار وحجم المخالفة التي ارتكبتها. لا تتوقع ان تاثر على الشرطي بهذه الخدعة اذا لا سمح الله سببت خسائر او اضرار تمس المواطنين او الممتلكات العامة على سبيل المثال او ان تسير بسرعة جنونية. اهمية المخالفة تعود حسب وجه نظر الشرطي في نهاية المطاف.
وهنالك شيء مشترك بين جميع هذه الامثله والمواقف المطروحه وهو سرعه اتخاذ القرار من جانب الطرف الاخر اذ انه لا يفكر مليا في هذه الخيارات وهذا يساعد وهم الخيار في العمل، فكلما زادات السرعة في القرار كلما زادت فعالية وهم الخيار وفقا للتجارب العلمية. وفي نهاية المقال نترك لك حق الخيار بنشره على الفيسبوك او تويتر.
هل تبحث عن اساليب اخرى في علم النفس تقنع وتأثر بها على الناس ؟ ننصح بقراءة : الغرور الكامن.
لمزيد من المقالات عن علم النفس، تابعونا على صفحتنا على الفيس بوك : ماذا يقول الكاتب : علم وتعلم
كتابة : عمر ابو سالم
تحرير : نشأت جوريش